الإيجارات في سورية… بين غياب القانون وجشع المُلاّك

لم يكن أمام رولا بعد أن فقدت منزلها الجديد في منطقة عين ترما إلا أن تطوف في أحياء دمشق بحثاً عن غرفة أو منزل يأويها مع بناتها الثلاث اللواتي يتابعن تحصيلهن العلمي في الجامعة.. فجهدت تبحث عن ضالتها المنشودة في إيجاد سقف يقيها حر الصيف وبرد الشتاء، إلا أن محاولاتها كانت ترتطم بجشع المؤجرين واستغلالهم لحاجتها وحاجة الكثيرين ممن أفقدتهم الأزمة بيوتهم ودمرت أملاكهم، فتضاعفت أسعار العقارات ولم يعد ارتفاع الإيجار حكراً على منطقة دون أخرى، إنما أضحى موجة اجتاحت جميع أحياء العاصمة، لتكون عبئاً إضافياً على المواطنين، الذين أرهقهم ارتفاع أسعار الأسواق، واكتووا بنيران جشع التجار من جهة وطمع أصحاب المساكن والمكاتب العقارية من جهة أخرى وذرائعهم الواهية بأن ارتفاع الأسعار شمل كل شيء، وبضمن ذلك العقارات.

حال رولا كحال كثيرين استهدفتهم نيران القذائف وطالتهم الأزمة، فرنا التي أجبرتها الأزمة على المكوث في دمشق بعد الحصار على الريف وصعوبة الذهاب يومياً إلى منزلها، أخذت تبحث عن مأوى حتى وجدت ضالتها في دمشق القديمة بغرفة لا تملك من مقومات الحياة شيئاً، وصاحبها يطلب مقابلها مبلغ 15ألف ليرة شهرياً، وقالت: (كيف السبيل لنتدبر أمرنا في ظل تضاعف معدلات البطالة والفقر؟ أين دور الدولة الاجتماعي في ذلك؟)، كذلك حال صديقتها فداء التي اضطرت لترك منزلها في حمص بعد استشهاد زوجها، وحالفها الحظ ووجدت منزلاً صغيراً ومتواضعاً في جرمانا، دون طلاء أو بلاط بمبلغ 13ألف ليرة شهرياً، وقالت: من الصعب جداً أن تجد منزلاً ملائماً، فإما أن يكون غير صحي، وإما لا يناسب عدد أفراد الأسرة أو يقع في محيط لا تستطيع التأقلم معه بسهولة).

كذلك تحدث الطالب الجامعي أحمد عن معاناته في البحث عن شقة للإيجار مع زملائه في الجامعة خصوصاً أن كثير من أصحاب المكاتب العقارية يكتبون على واجهات مكاتبهم (شقة للعائلات فقط)، وقال: (نرغب في استئجار منزل في منطقة البرامكة لتفادي المواصلات والحواجز التي باتت ترهقنا كثيراً، ولكن الأسعار بحدود 30 ألف ليرة في الشهر في حال قبل أحدهم تأجيرنا)، مؤكداً وجود استغلال من قبل أصحاب الشقق نتيجة الطلب المتزايد عليها وقلة المعروض في السوق، فوجدوا أن رفع الأسعار بذؤيعة الأحداث أفضل طريقة لرحيل المستأجر الحالي وجلب عائلة نازحة (قادرة) على دفع مبلغ يرضي جشع صاحب الشقة، مشيراً إلى أنه (لن تجد من يكتب لك عقد إيجار لأكثر من سنة، وإن وجدت من يقبل بعقد سنوي فإنه يسعى جاهداً للضغط عليك بشتى الوسائل بغية زيادة الإيجار).

ولم يكن حال السيد أسامة مارتيني أفضل، فقد أكد أن أصحاب المكاتب العقارية لطالما كانوا محط قلة ثقة من قبل الزبائن، واصفاً إياهم بمستثمري الأزمات، وأردف قائلاً: (الأسعار قبل الأزمة كانت مرتفعة، بذريعة الزبون العراقي الذي يدفع بلا سؤال، أما اليوم فما هي ذرائعهم الجديدة؟)، وعزا أسامة ذلك لغياب ضوابط هذه المهنة التي تمكّن (تجار الأزمة العقارية) من استغلال المواطنين رافعين شعار (العقد شريعة المتعاقدين).

وعن سبب تلاعب التجار والمكاتب العقارية قال المدرس فراس الأحمد: (يعود ذلك لعدم وجود قانون يحدد أسعار إيجارات المنازل، بل يقوم القانون فقط بتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، ومن المستحيل أن يتم التعامل مع أسعار الإيجارات على أنها سلعة يتم تحديد الحد الأدنى لسعرها)، وتساءل: (أين رقابة الدولة من ضبط السوق العقاري؟ ولماذا لا تفرض ضوابط من شأنها محاسبة المخالف أو المستغل، وجعل المؤجر يفكر في عدم اعتبار إيجار منزله صفقة العمر)

ومن جهتهم يعزو أصحاب المكاتب العقارية ارتفاع الأسعار إلى كثرة الطلب على الشقق هذه الأيام من قبل الناس وقلة المعروض في السوق، فيتحكم المالك بالسعر، فهم بذلك يلعبون دوراً رئيساً في رفع الأسعار وجلّ همهم الربح الأكبر، مؤكدين أن وجهة الزبون حالياً تحددها نقوده، إذ تختلف الإيجارات من منطقة إلى أخرى ومدى حاجة المواطن إلى المنزل.

لقد ارتفعت أسعار الشقق السكنية المعروضة للإيجار بنسب تفوق 100% في بعض الأحياء، إذ أصبح من الصعب إيجاد شقة فارغة هذه الأيام، وبقي لسان حال المواطن يصرخ: (رواتبنا لا تكفي للطعام والشراب فكيف نتدبر أمر السكن، مع محدودية قدراتنا المالية غير القادرة أساساً على الدفع لأكثر من شهر واحد؟!). بات السوريون يعيشون بشيبهم وشبابهم معاناة وسط أزمة سياسية انعكست نتائجها الاقتصادية والاجتماعية على أفراد المجتمع، سائلين رحمة الله أن تحل عليهم، ومنتظرين أن يعمّ السلام بلد السلام!

العدد 1104 - 24/4/2024