هل القراءة للطفل أمر مهم؟!

اعتمد الإنسان منذ القدم على التّعليم لمساعدة الأولاد على تفّهم أمور الحياة، لكن الخلل الّذي يحدث هو أنّنا نُخرج أولادنا من الحياة ونضعهم داخل أربعة جدران ووراء نوافذ صغيرة وأسوار عالية، ونباشر بتلقينهم العلوم والمعارف، وإن لم يتمكنّوا من مجاراتنا نقول لهم: (يجب أن تلحقوا…) ولكن أن يلحقوا بِمَ؟! هل نحن في حلبة سباق؟!

الأهل والمربون الكرام؛ إنّ الصّفوف عُلب صغيرة، تقوم بالتّركيز على مجالات التّعلّم الأساسية الّتي تُعرف بالمجالات التّقليدية الثّلاثة: القراءة والكتابة والحساب، يُركّز النّجاح في الصّفّ على اللّغة والحساب، ويعتقد الكثيرون أنّهما المادّتان الأساسيتان، ولكن علينا بالدّرجة الأولى أن ندرك كقائمين على العملية التّعليميّة أنّ نجاح الطّفل داخل حجرة الصّفّ لا يعني بالضّرورة نجاحه في الحياة وفي تواصله مع الآخرين؛ وهذا من الأمور الّتي سببت الإساءة للشبيبة السّورية خلال الأزمة، فنحن لم نُعدّ أولادنا ليكونوا قٌرّاء جيّدين، ولم نساعدهم على تحليل ما يقرؤونه أو يسمعونه؛ كما نلاحظ في العديد من البيوت أنّ الآباء يسعون نحو تنشئة طفل همّه فقط مشاهدة التّلفاز بشكل سلبي، أو طفل يقضي معظم وقته يلعب بألعاب بالحاسوب، والنتيجة كانت تأثرهم وسعيهم وراء الأشخاص الخطأ الّذين سلبوا منهم حقوقهم وحريتهم، ومنعوهم من التّطور والتّفكير الصّحيح.

ما الفائدة الّتي نسعى إليها من وراء تمليك الطّفل مفاتيح القراءة؟!

 علينا أن نُدرك كآباء ومربين أنّه إذا استطاع أولادنا أن يقرؤوا بشكلٍّ جيّد فسوف يتعلّمون بسرعة أكبر، وكلّما تقدموا في المراحل الدّراسيّة سيتوقف نجاحهم في كلّ مادّة على مدى قدرتهم على القراءة.

ماذا نفعل لكي نتأكّد من أنّ أولادنا قد تعلّموا مهارات القراءة جيّداً؟!

إنّ تعلّم القراءة يبدأ مع الطّفل منذ اللّحظات الأولى لولادته، فهي كالمشي والكلام، عملية تنموية، تتطور بالحديث مع الطّفل وشرح أسماء الأشياء من حوله والغناء له، والقراءة له منذ لحظة ولادته.

كيف نحث الأطفال في مرحلة الطّفولة المبكرة على القراءة؟!

* اختاروا كتب الأطفال ذات الأوراق السّميكة المليئة بالصّور الواضحة والّتي تتحدّث عن نشاطاتهم اليومية؛ مثال على ذلك: أسماء الغرف في البيت، المهن، أسماء الخضار والفواكه، إشارات المرور، الحيوانات والنباتات.. إلخ.

* اقرؤوا الكتاب عدّة مرّات لطفلكم وفي أوقات مختلفة، بعد ذلك عليكم التّوقف عند الكلمة المألوفة وفسح المجال للطفل كي يقرأها، لأنّ الطّفل في هذه المرحلة يقرأ من خلال الصّورة، ويدرك الكلمة بشكلها الكلي، أيّ يتعرّف عليها كصورة.

* أضيفوا في كلّ فترة كتباً جديدة إلى مكتبة طفلكم، ولكن دون الامتناع عن قراءة الكتب القديمة، فالطفل يحبّ قراءة كتابه المفضل عشرات المرات.

* اصطحبوا طفلكم للتسوّق، والفتوا انتباهه إلى لوحات العرض، والإعلانات، وقسائم الشّراء إلخ.. كي يتشجع على قراءتها والمقارنة بين أشكال الكلمات والحروف فيما بعد.

ما الحلول لمساعدة  وحثّ الأطفال على القراءة خلال المرحلة الدّراسيّة؟!

* نقترح مرافقة الطّفل أثناء قراءته أيّ مقطع، وذلك بالإشارة إلى الكلمات، وبعد الانتهاء من قراءة مقطع معيّن العودة إلى بدايته، وقوموا بعدّ الكلمات الّتي تمكّن من قراءتها بشكلٍّ صحيح.

* من الممكن أن تقرؤوا سطراً ثُمَّ يقرأ من بعدكم، وهذا يُساعد في تمكين الطّفل من التّعبير، إذ ينمو مخزونه اللّغوي نتيجة للتكرار.

* اللّجوء إلى بعض الألعاب مثل: (لعبة البوشار)، يبدأ الأب أو الأمّ بالقراءة ثُمَّ يقف عند أي علامة من علامات التّرقيم، ويلفظ كلمة (بوشار) فينتقل الدّور إلى الطّفل الّذي يلفظ كلمة (بوشار) عند إحدى علامات الوقف، وهكذا.. هذه اللّعبة مفيدة للتميّز بين أدوات التّرقيم، والتّمكن من استخدامها بشكلٍّ صحيح.

* العمل على تحديد الأفكار الرّئيسيّة: يبدأ أحد الوالدين بالقراءة ثُمّ يُلخص الفكرة الرّئيسيّة للمقطع بعشر كلمات، بعد ذلك يقرأ الطّفل ويقوم بالأمر نفسه؛ تُفيد هذه الطّريقة بأن يعتاد الطّفل على تحديد أفكاره الرّئيسية أثناء الدّراسة.

هل نتوقف عن القراءة للطفل بعد أن يُتقنها كمهارة؟! أم نعمل على تشجيع القراءة المستقلة وما هو السّبيل لذلك؟!

يجب أن لا نتوقف عن القراءة لأطفالنا، فالقراءة في البيت بصوتٍ عالٍ تُعدّ أمراً ضرورياً لتقدّم الطّفل في المهارات اللّغوية، فإذا لم ندعم القراءة المنزلية، فإننا سنواجه حتماً أكبر مشكلة تعليميّة، إذ يؤدي ذلك إلى نوع من الأمية يعرف فيها النّاس كيف يقرؤون ولكنّهم لا يقرؤون.

وما إن يتقن الطّفل القراءة كمهارة فإن علينا تشجيعه على القراءة المستقلة، بصوت مرتفع.

من الممكن إتباع أحد الأسلوبين الآتيين:

* اطلبوا من طفلكم أن يبدأ بقراءة القصّة والتّوقف قبل نهايتها، واسألوه: (الآن ما رأيك فيما حدث؟!، شجعوه ليضع نهاية للقصّة من ذاكرته.

* تعرفوا على اهتمامات طفلكم واعملوا على دعمها بالبحث عن الكتب والمجلات الّتي تتحدّث عما يثير فضوله. يقول وليم جاكسون وهو أحد أشهر علماء الأحياء المائية: (لقد كنتُ قارئاً سيئاً حتّى وصلت إلى الصف السادس، عندما سمعت عمتي الّتي تعيش في اليابان أنّي كنتُ مهتماً بالعلوم، فأرسلت لي موسوعة عن الخيال العلمي، كان الفضل لهذه الموسوعة بإشعال الرّغبة في القراءة لديّ منذ ذلك الحين).

أخيراً.. إذا كان مستوى طفلكم في القراءة أقل من مستوى مرحلته التّعليميّة، ابحثوا عن شخص مؤهل ليقيّم مهارات القراءة لطفلكم، لا تقبلوا ملاحظة المعلّم عندما يخبركم أنّ طفلكم لا يستطيع القراءة، فكلّ طفل يستطيع القراءة، لأنّ برامج تعلّم القراءة قد انتشرت في كلّ مكان، وهي تشمل جميع أنماط التّعلّم، وتعمل على معالجة جميع صعوبات القراءة. وأنتم كأهل ومربين، واصلوا تشجيع طفلكم على القراءة، فأنتم بذلك تخدمون أهم هدف من أهداف العمليّة التّعليميّة.

العدد 1105 - 01/5/2024