من الواجب تكريم هذا الطبيب!

الطب أسمى رسالة إنسانية تعنى بصحة الإنسان، وغاية الطبيب المخلص لرسالته السامية، هي انتشال المريض الغارق في بحر أوجاعه وأمراضه، ومعالجته،حتى يمنّ الله عليه بالشفاء والصحة والعافية.

 إلى هنا والأمور عادية، تحدث في عيادة كل طبيب، مخلص لرسالته السامية هذه، ولكن أن يتجاوز الأمر إلى حد، أن يدفع هذا الطبيب من جيبه الخاص ثمن المعالجة هذه، لكل مريض يعالجه، غير قادر مادّياً على ذلك، فهذا أمر غير عادي، ويستحق هذا الطبيب عليه كلّ تقدير وتكريم، وتفصيل ذلك:

في يوم 22/9/2013 الساعة الثانية عشرة والنصف، حضرت إلى عيادة مرضى البروستاتا، في شعبة البولية بمشفى البيروني، لأتعالج بالدور من مرض البروستاتا، وكان فيها أ.د الهادي السعودي، والطبيب مالك الحميدي، والطبيبة منال قهوجي والممرضة تيريز لطفي، فأجلسوني على كرسي في انتظار انتهاء معالجة أحد المرضى العجزة، واسمه محمود حمو، ترافقه زوجته العجوز، ولدى الانتهاء من معالجته، أعطاه الطبيب المعالج ورقة بيضاء، كتب عليها بضع كلمات، وقال له: اذهب وصوّر خارج المشفى! وهنا لاحظت الحزن يغمر فجأة وجه هذا المريض العجوز، الذي قال وهو يكاد أن يبكي: (منين أقدر أصوّر خارج المشفى، وقد هجّرونا من بيوتنا في حمص، أثناء الأحداث المفجعة الأخيرة، التي ألمّت بنا أخيراً هناك، فهربنا إلى دمشق، وليس معنا مال أو أهل حتى نلجأ إليهم، وهمنا على وجوهنا في شوارعها، حتى استضافنا رجل شهم لوجه الله)! فما كان من طبيبه مالك الحميديّ، وقد تأثر بالأمر كثيراً، إلاّ أن أخرج من جيبه، مبلغاً من المال دفعه إليه لإحضار صورة شعاعية من مركز خاص، فأخذه المريض، بعد تردد، وانصرف داعياً وشاكراً للطبيب حسن صنيعه.

وقد أعجبت بهذه البادرة النبيلة من هذا الطبيب، فحضرت إليه في اليوم الثاني، لأستفهم منه أكثر عن الموضوع وأكتب عنه، فلما قابلته حاول الإنكار تواضعاً، ولكن زميلته الطبيبة منال قهوجي، التي كانت حاضرة شاهدة على ما حدث البارحة، أكدت لي أنه هو الذي قام بهذا العمل النبيل، وأنه يقوم بمثله مع كل مريض معدم محتاج، ولا أعلم كيف يستطيع هذا الزميل الطبيب، بما يتبقى من راتبه، أن ينفق بما يكفي على معيشته، في ظروف هذا الغلاء المستفحل.

إننا نكبر في هذا الطبيب مالك الحميدي وأمثاله الأطباء، الذين يقومون بمثل هذه البادرة النبيلة وغيرها، في ظروف الحصار على سورية الذي يشمل حرمان مستشفياتها من مواد التصوير الإشعاعية، والأدوية النادرة المستعملة في مكافحة الأمراض المستعصية والخطيرة، متمنّين على المسؤولين، في وزارة الصحة وغيرها، تكريم هذا الطبيب وأمثاله، لتفانيهم وإخلاصهم لرسالتهم الإنسانية السامية، التي تفوّت على أعداء سورية، أساليبهم ووسائلهم القذرة للنيل من صمودها، وتركيعها أمام إرادة أمريكا، وربيبتها إسرائيل وأمراء البترول العرب، وذلك بفضل جهود هذا الطبيب وزملائه، وكل المهندسين والمحامين والمعلمين والأساتذة والعلماء والمفكرين والمبدعين والأدباء والضباط وصف الضباط والجنود في وحدات الجيش والأمن والعاملين وغيرهم، في جميع الوزارات والمؤسسات والإدارات وغيرها، وكل من وضع روحه وفكره وماله، في سبيل انتصار سورية على أعدائها، وتوحيد رسالتها الخالدة، في سير الخليقة كلها على صراطها المستقيم، صراط المحبة والسلام وإلى الأبد.

العدد 1105 - 01/5/2024