هل يكفي القانون لحماية آثارنا؟

قصة الإنسان تبدأ من الأثر الذي يتركه على سطح الأرض،وهذا الأثر ينبئ عن عظَمة هذا الإنسان وأصالته، فالآثار كانت وستبقى منجزاً إنسانياً ومصدراً أساسياً لكتابة التاريخ، والآثار حلقة من حلقات التطور الثقافي والحضاري، وضياعها خسارة لا تعوض للإنسانية. ولعراقة تاريخ سورية التي هي مهد الحضارات الإنسانية وتلاقيها واندماجها، ولغناها بالآثار، صارت قبلة للصوص الآثار ومافياتها العالمية، بهدف السيطرة على الإنسان السوري ومستقبله، بسرقة ماضيه. ونظراً لأهمية الآثار وقيمتها المادية والمعنوية، فقد أولتها الدولة عناية خاصة، فسنّت القوانين والأنظمة لحمايتها على المستوى الوطني والدولي والإقليمي، فسرقة الآثار والتنقيب دون رخصة ونبش المواقع الأثرية وأعمال التهريب وتزوير الآثار والتجاوز على المواقع الأثرية هي أعمال إجرامية تلحق أضراراً ثقافية واقتصادية وسياسية، الأمر الذي جعل السلطة التشريعية تضع العديد من التشريعات والقوانين التي تحدد آلية التنقيب وتحمي هذه الثروة القومية من الضياع والاندثار.

فقد نصت المادة 1 من قانون الآثار الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 222 تاريخ 1963 (تعدّ آثاراً الممتلكاتُ الثابتة والمنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجها أو كتبها أو رسمها الإنسان قبل مئتي سنة ميلادية أو قبل مئتين وست سنوات هجرية، ويجوز للسلطات الأثرية أن تعدّ من الآثار أيضاً الممتلكات الثابتة والمنقولة التي ترجع إلى عهد أحدث، إذا رأت أن لها خصائص تاريخية أو فنية أو قومية، ويصدر بذلك قرار وزاري).

المادة 2- (تتولى السلطات الأثرية في الجمهورية العربية السورية المحافظة على الآثار، كما تتولى وحدها تقرير أثرية الأشياء والمباني التاريخية والمواقع الأثرية وما يجب تسجيله من آثار. ويعني تسجيل أثر ما إقرار الدولة بما يمثله من أهمية تاريخية أو فنية أو قومية وعملها على صيانته وحمايته ودراسته والانتفاع به لأحكام هذا القانون).

وقد فرضت عقوبات شديدة على كل من يتاجر بتاريخ وثروة الدولة، وهذا نصت عليه المادتان 56 و57 من قانون الآثار السوري، الذي حدد عقوبة تهريب الآثار بما لا يزيد عن 25 سنة أشغال شاقة ولا تقل عن 15 سنة. وبالرغم من وجود القوانين الصارمة والأجهزة القوية والتقنيات الحديثة لحماية الآثار والمتاحف، ولتوثيق الآثار وتسجيلها والإعلان عنها، فإنها لم تستطع تحقيق الحماية الكافية تجاه الحملة العالمية لتدمير الإنسان السوري بكل مكوناته التاريخية والثقافية والفكرية .ففي ظل الظروف الطارئة التي تمر بها سورية من تدمير وتخريب وقتل، كانت المواقع الأثرية والمتاحف هدفاً رئيسياً للعصابات الإرهابية المسلحة المدعومة عالمياً، فقامت بسرقة الآثار والتنقيب السري الممنهج الذي أدى إلى تخرّب السويات الأثرية واللوحات النادرة التي تقدم مادة تاريخية كاملة عن تاريخ المنطقة والموقع الأثري. وتتعاظم خطورة هذه الجريمة بكونها منظمة عالمياً، وفيها اعتداء على سيادة الدولة يتجاوز نظامها القانوني واستقلالها القضائي، وفيها طمس لروح الشعب السوري وهويته وذاكرته.

ولحماية الآثار من الاعتداءات الممنهجة، لابد من تعزيز دور المجتمع المحلي الموجود فيه الموقع الأثري، بعدم حرمانه من ملكيته أو حقه في العيش و التصرف والحماية للمواقع الأثرية، وهذا يساهم في خلق فرص عمل جديدة. ومسؤولية الدولة تكون بتعديل قانون الآثار القديم بقانون جديد يتوافق مع المعايير الواردة في الاتفاقات الدولية، ويواكب فكر التطور العالمي في هذا المجال، فينسجم مع تنوع التراث الثقافي والمعرفي، ويحقق الحماية والإدارة والترويج للتراث الثقافي وربط القواعد القانونية بإجراءات تنفيذية تساهم في تطبيق القانون، وتوثيق موجودات المتاحف والقطع الأثرية بالتعاون مع الإنتربول الدولي.

وعلى المنظمات والجهات المعنية بتطبيق القانون الدولي محاسبة الدول التي ساعدت أو سهّلت تهريب الآثار، أو هربتها، واستصدار قرار دولي ملزم من مجلس الأمن الدولي لمكافحة الاتجار بالآثار السورية.

لابد إذاً من إيجاد سياسة تشريعية وأمنية وعقابية، للحفاظ على آثارنا ومنع تهريبها والعبث بها.

العدد 1105 - 01/5/2024