الهديل أكثر يتماً!

-1-

لو كنت أعلم ما سيحصل، ما كلفته قبل أسبوعين بتنضيد مقالتي على كمبيوتر الجريدة. لكيلا أدع له مجال للقلق، تحسّباً من احتمال ظنّ أحد من الرفاق، أنه يخدمني على حساب الحزب.

لو كان أبو نبيل يعلم أنه سيغيب طويلاً، ما قفل اعتذاره عن سماع بقية حديثه. ولمنعه من الخروج.

ولو كانت هديل تعلم أن ثمن طلبها سيكون غالياً هكذا.. لما هتفت له هذا الصباح طالبة منه ما طلبت. ولأمسكت طلباتها دونه مدى العمر.

-2-

مثلما كان يسارع متطوعا لتلبية حاجات الرفاق والأصدقاء والمعارف.. سارع أحمد إلى تلبية طلب ابنته هديل صباح 9/12/2013.

نزل درجات مبنى الجريدة قفزاً، وراح يطوي الطريق مهرولاً باتجاه ساحة عرنوس، تسبق خطواته رد تحياتهم: أبو محمد الكنّاس.. أبو جاسم الشطّاف.. أبو الفوز الحذّاء، وكل الذين يصادفهم من الجيران وأهالي الحارة. كأنه كان على سباق مع الزمن إلى موعد كان هناك مضروباً.

-3-

لا يسعفني الرثاء، حتى أرثيك يا صديقي.. ولا الدموع، كي أبكيك.. لكنها الكلمات تكاد تقول نفسها: لكم كنت شيوعياً وكريماً ومحموداً.

شيوعياً، حدّ إشراكك الآخرين في مدخراتك، من الرأي واللقمة والليرة ووقت الراحة.

كريماً، حتى السخاء بغالي الدم الذي لا يعوض، فداءً للثرى ومن أثرى الثرى.

ومحموداً، كخلّص المحاميد وأحمدَ.

-4-

إن القلم ليخجل والقلب ليخشع والسؤال ليشرع:

إذا كان من بلّغ عنه وأحصي من شهداء الحزب الشيوعي السوري الموحد وحده في ظرف خمسة أيام، هم ثلاثة شهداء (إبراهيم قندور ونعّوم ميخائيل وأحمد عليوي). فكم دفعت سورية وطناً ومجتمعاً وشعباً، من شهداء على امتداد ثلاثة أعوام دامية؟!

كم خلفت الحرب / المحنة عدا الخراب والدمار، من شهداء كأحمد؟!

كم رمّلت من نساء، كزوج أحمد؟

كم طفلة يتّمت، كهديل (تلك الحمامة البشرية)، وأختها الصغيرة (نايا)؟

كم رصدت، لمستقبل أختهما القادمة بعد أشهر. التي ستواجه الدنيا بنصف حنان ونصف أمان ونصف هوية؟

بل ماذا نحن فاعلون لأجل من فادوا.. وكي لا يصير الهديل أكثر يتماً؟!

  -5-

أخي أحمد..

أيها الرافل في ثياب الياسمين!

الحاضر في سديم الغياب..

أيها الرّائق في الزمن العكر!

والراحل على جواد المحبة!!

هل صحيح أنك ستخلف وعدك، وأننا لن نزور معاً صديقنا المشترك وعديلك (وفيق)، ولن نتحلق حول بياض سريرة وثرثرات صغيرة وكأس؟

أحقيقة، أننا لن نتصبح بكلماتك الباسمة ووجهك المنير، كلما دخلنا مكتب (النور)؟

بل.. هل من المعقول، أن تلغى سطور حياتك، بشطبة شظية؟!

العدد 1105 - 01/5/2024