«الحرب السورية» تطول البشر والحجر

انعكست الأزمة التي تعيشها سورية منذ قرابة الثلاث سنوات على كل شيء، فطالت البشر والحجر على السواء، مستهدفة الإرث الثقافي والحضاري والتاريخي والروحي لسورية التي تعد مركزاً لبعض أقدم الحضارات على وجه المعمورة، وتركت على طول البلاد وعرضها آثاراً قلَّ نظيرها في العالم. تحتضن سورية عدة مواقع اعترفت بها منظمة اليونسكو مواقع عالمية للإرث الحضاري، فسورية تزخر بكنوز تاريخية لا تقدر بثمن، من قلاع ومساجد وكنائس قديمة وصروح تعود للعصور الغابرة، ولكن هذه الكنور وقعت ضحية لعمليات سرقة وتدمير ممنهج، باستهداف المدن الأثرية والمتاحف المليئة بالقطع الأثرية النادرة، فأضحينا أمام عصابات آثار مسلحة تسرق الآثار وتقصف المواقع الأثرية وتدمرها، لسلب سورية تاريخها وعراقتها، مستفيدة من غياب المؤسسات الحكومية المعنية والسلطات الأثرية عن بعض المناطق، فنشط الأصوليون في التعرض لدور العبادة فعاثوا فيها نهباً قبل تدميرها.

وعلى الرغم من أن سرقة الآثار أمر موجود في سورية منذ سنوات، إلا أن وتيرتها ارتفعت، بسبب الاضطرابات التي حرمت بعض المواقع التاريخية من الحماية اللازمة، ومنها سرقة القطع الأثرية من متحف الرقة الوطني إلى مكان مجهول، بذريعة حمايتها، فأضحت الآثار السورية ترزح بين مطرقة الدمار وسندان التهريب.

إن الخوف يكمن اليوم من فقداننا للكثير من مقتنيات ومعالم سورية العمرانية، بسبب القصف والحرق، وأيضاً عمليات التنقيب غير القانونية، إذ تسعى جهات عديدة لتدمير الآثار الموجودة في عدد من المحافظات، مثل موقعي ماري ودورو أوربس في دير الزور، وتل البيعة في الرقة، وأيضاً موقع كفر عقاب المسجل في محافظة إدلب وهو مسجل في التراث العالمي، وهناك عدد من المواقع الأثرية الموجودة في وادي اليرموك في محافظة درعا، إضافة إلى تدمير البنى الأثرية في موقع أفاميا في محافظة حماة. وتشير إحصاءات مديرية الآثار والمتاحف الأخيرة لوجود أكثر من 500 موقع أثري تعرضت بشكل أو بآخر لأعمال التنقيب السري وعمليات التنقيب غير الأصولي، بهدف السرقة وتهريب الآثار إلى تركيا أو الأردن أو لبنان. ومن أشهر المواقع التي تعرضت لهذه العمليات كانت أفاميا والمدن المنسية في الشمال السوري، وغيرها الكثير من الأماكن، فأنهار سورية وجبالها تزخر بمواقع أثرية هي الأغنى والأكثر تنوعاً في الشرق الأوسط. أيضاً أدت الاشتباكات التي تدور رحاها في بعض المواقع الأثرية إلى أضرار جسيمة طالت الكتل العمرانية، مما أضرّ بمباني تاريخية وقلاع أثرية ثمينة، فالتهمت النيران مئات المحال الأثرية في أسواق حلب القديمة، وتدمّرت مئذنتا الجامع الأموي في حلب والجامع العمري في درعا، وتضررت قلعتا الحصن والمضيق، وكنيسة أم الزنار بحمص، وتعرض متحف حماة ومتحف معرة النعمان ومتحفي التقاليد الشعبية في حمص ودير الزور لأضرار مادية بسبب الاشتباكات، وتأذّت أسوار متحف تدمر إثر إصابتها بقذائف أُطلِقت من منطقة البساتين المجاورة، وقائمة الخسائر التراثية والأثرية تطول وهي مخيفة حقاً.

إن الحرب السورية تدق ناقوس خطر إحداث دمار لا يمكن إصلاحه لعدد من أثمن المواقع التاريخية في العالم، التي شكلت التراث السوري عبر عقود طويلة، وهي تشكل استنزافاً للإرث الحضاري الإنساني، هذا الإرث والتراث ليس ملكاً لا لحكومة ولا لرئيس، إنه ملك للشعب السوري، وملك أيضاً للبشرية جمعاء، فلا يجوز أن يتعرض للتدمير مهما كانت الأسباب والذرائع.

العدد 1105 - 01/5/2024