«إسرائيل والمعارضة السورية»…من الغزل إلى التماهي

لم يكن العدوان الصهيوني الأخير على الأراضي السورية بالقرب من مرتفعات الجولان السورية المحتلة، سوى مكافأة صهيونية لما يسمى (المعارضة السورية)، لاسيما بعد العرض اللبواني للكيان الصهيوني المتمثل ببيع مجرمي سورية لهضبة الجولان السورية المحتلة لإسرائيل مقابل إحلال السلام معها، هذا العرض المقدّم من عضو الهيئة التأسيسية لما يسمى بمجلس إسطنبول كمال اللبواني لم يكن غريباً على إرهابيي سورية ومجرميها اللاهثين وراء تدمير بلدهم ومقوماته بأي شكل من الأشكال، كما قدم اللبواني، في عرضه للكيان الصهيوني، وثيقة حسن سير وسلوك لإسرائيل من كل جرائمها بحق الأمة العربية، فلم يكتف فقط ببيعها الجولان، بل وزاد عليها مدينة القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة، عندما وصفها بالحمل الوديع، ونفى عنها صفة التوسع، وألصقها بإيران، وهو عينه ما يردده بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي دائماً.

     والحقيقة أن هذا العدوان يأتي متناغماً مع التصريحات الصهيونية حول دعم الإرهابيين في سورية، ومع أن بعض أعضاء مجلس إسطنبول يحاولون التهرب من العلاقة مع الكيان الصهيوني، إلا أن الأدلة والوقائع تُثبت تلك العلاقة بما لا يدع مجالاً للشك.

     ولم يكن العدوان الصهيوني الأخير على الأراضي السورية بالقرب من الجولان، سوى حلقة من حلقات دعم الكيان الصهيوني للإرهابيين في سورية،  ذلك أن هذا العدوان ترافق مع هجومٍ كبير للإرهابيين في سورية على سجن درعا المركزي، بغية إخراج رفاقهم المجرمين، ليكونوا عوناً لهم في إجرامهم وتدميرهم للبنيان والإنسان السوري، ولم يُخفِ القادة الصهاينة قيامهم بهذه العملية، إذ أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، أن المواقع التي ضربها الجيش الإسرائيلي في الجزء السوري من الجولان استهدفت مقارّ وبطاريات مدفعية تابعة للجيش السوري، إضافة إلى موقع تدريب للجيش السوري.

     ويؤكد الدعم الصهيوني للمتمردين في سورية ما قاله إيهود يعاري، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، من أن إسرائيل تدعم المتمردين في جنوب سورية، وذلك على طول الحدود مع جبهة الجولان السورية المحتلة. وأضاف يعاري- بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط- أن المساعدات الإسرائيلية بدأت مجرد مساعدات إنسانية، ولكن مع السماح بدخول مئات المصابين من المسلحين إلى الأراضي المحتلة للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية، وبضمن ذلك المستشفى الميداني العسكري في الجولان، ازداد شكل المساعدات الإسرائيلية، موضحاً أن تلك المساعدات تشير إلى إقامة نظام للاتصالات مع المتمردين السوريين منذ إتمام علاجهم وعودتهم إلى سورية. ويؤكد ضابط كبير بالجيش الإسرائيلي لموقع (والاه) الإخباري العبري، وجود اتصالات مع ممثلي المتمردين السوريين لنقل جرحاهم من أجل تلقي العلاج في إسرائيل، مؤكداً أن العدد تجاوز 1600 جريح.

     الأمر الفضيحة لم يقتصر فقط على تلقي (ثوار سورية) العلاج في مستشفيات تل أبيب، وإنما في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للمصابين من الإرهابيين السوريين، حسب ما أكدته الإذاعة الإسرائيلية، التي نقلت أيضاً أن المعارضة السورية تُثمّن وقوف نتنياهو إلى جانب ما سمته جرحى الشعب السوري، وأن (وقوف نتنياهو العلني إلى جانب الجرحى السوريين، يعتبر رسالة مهمة للشعب السوري).

     ويعود التعاون بين المجموعات المسلحة في سورية والكيان الصهيوني إلى بداية الأزمة التي تشهدها سورية، فالعدوان على سورية هو عدوان صهيوني بأدوات عربية، وليس أدلّ على هذا من الدعم المستمر صهيونياً للمجرمين في سورية، سواء بالمال أو السلاح والإعلام،  فقد أُعلن في تل أبيب، في الذكرى السنوية الثانية لثورة إجرامهم، عن تأسيس (تنسيقية إسرائيل لدعم الثورة السورية) برئاسة عضو حزب الليكود ونائب الوزير أيوب القرا، وعدد من النواب والشخصيات الإسرائيلية، من حاخامات وعسكريين متقاعدين وموظفين  وبعض رجال الدين المسلمين من الداخل.

     وجاء الإعلان عن تأسيس (التنسيقية) من خلال (وقفة تضامنية) نظمها هؤلاء أمام السفارة الروسية في الذكرى السنوية الثانية للأزمة السورية. كما بثت القناة العاشرة الإسرائيلية في شباط 2012 رسالة من أحد أعضاء ما يسمى ب(المجلس الوطني السوري) إلى رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طالبه فيها بمساندة (تل أبيب) للعمليات المسلحة الرامية لإسقاط النظام السياسي في سورية. واعتبر أحد أعضاء المجلس في تركيا خالد خوجة أن مصلحة كيان الاحتلال تكمن في إسقاط النظام السوري الذي يعمل لصالح إيران وحزب الله وحماس، على حد قوله. وشدد خوجة على أن عدم إسقاط النظام السوري سيؤدي إلى انتصار إيران وتنفيذ تهديدها بإبادة الكيان الإسرائيلي والشعب اليهودي، وقال: (الشعب السوري يطالب المجتمع الدولي بتقديم الدعم لإقامة منطقة عازلة ومعبر أمني في سورية)، مشدداً على ضرورة مراعاة طلب الشعب السوري، بتوفير الحماية الدولية له، حسب زعمه.

     ويؤكد عدد من المسؤولين الصهاينة وجود اتصالات، على مخلف الأصعدة، مع (المعارضة السورية) فقد أكد عضو الكنيست الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ عن وجود اتصالات مكثفة مع مسؤولي مجلس إسطنبول، كما أن دعوة رئيس مجلس الأمن السابق للكيان الصهيوني عوزي ديان قادة مجلس اسطنبول للعمل على إقامة دولة كردية وأخرى طائفية في سورية تأتي في إطار الرغبة الإسرائيلية في تفتيت سورية على أيدي الإرهابيين فيها من دعاة الحرية.

بقي أن نشير إلى أن التحالف الصهيوني مع المجموعات الإرهابية في سورية تعزز أكثر من ذي قبل، لاسيما بعد شطب الإرهابيين في سورية للعداء مع الكيان الصهيوني من قاموسهم منذ اليوم الأول لثورتهم التدميرية في سورية، الأمر الذي جعل من الكيان الصهيوني حليفاً أساسياً للمجموعات الإرهابية في سورية.

العدد 1105 - 01/5/2024