جوهر المسؤولية فصل السلطات

الدولة ظاهرة اجتماعية أخذت صورتها الحالية نتيجة لتطور تاريخي طويل، تحت مؤثرات متباينة دينية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية. ومن مقومات هذه الدولة: السلطة التي تعتبر ضرورة اجتماعية للنهوض والتقدم والاستقرار، فلا يمكن لمجتمع أو دولة أن توجد دون وجود سلطة أو نظام، أي نشوء (الجماعة السياسة المنظمة) التي تعتبر قوة تولدت من الوعي الاجتماعي للبحث عن الصالح العام المشترك للأفراد، طورت الأعراف والتقاليد ونظمتها ضمن قوانين وشرائع تنظم العلاقات بين الأفراد، وبين الأفراد والدولة، وهنا نشأت الكيانات التي تمثل فكرة الدولة، فالقانون بحاجة إلى صياغة (سلطة تشريعية) وإلى من يطبقه (سلطة تنفيذية) ومن يفصل في النزاعات الناجمة عن الانتهاكات (سلطة قضائية) ومن يراقب جوهر هذه القوانين أثناء تنفيذها (الرقابة). وهنا أخذت الدولة شكلها القانوني: نظام رئاسي، كما في سورية (فصل مطلق بين السلطات)_ نظام برلماني (فصل مرن)، وهو ما يحدده دستور الدولة الذي يعتبر القانون الأساسي الذي يحدد الشكل العام للدولة، وينظم قواعد الحكم ويوزع السلطات ويبين اختصاص كل منها وواجبات مواطنيها وحقوقهم، فالدستور يؤسس لدولة الحق والقانون، ويرسخ قيم الحكم المؤسساتي الذي يحمي الحقوق ويصون الحريات، وفق نظام قانوني عادل ومؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية.

فالدستور السوري أقر مبدأ الفصل بين السلطات، وأكد استقلال القضاء، وبيّن صلاحيات واختصاص السلطات الأساسية مقيماً نوعاً من الفصل والتعاون والرقابة بين هذه السلطات، لتحقيق الاستقلال والتوازن لصون حرية المواطن وكرامته.

يعتبر مبدأ فصل السلطات مبدأ يوطّد الديمقراطية لتحقيق العدالة بكل أبعادها وتجلياتها، ويكرس الحريات الأساسية ويصونها، ويحقق التقدم الاقتصادي والتطور الاجتماعي والارتقاء الفكري والحضاري، ويحول دون تكريس المركزية المفرطة للقرارات والانفراد بممارسة المسؤولية ذات الصلة بالشأن العام.

لذلك فصل السلطات يمنع الاستبداد والشمولية والتعسف، ويحد من ظاهرة الفساد والفوضى والإبعاد والإلغاء والتهميش، وبذلك يكون وسيلة لاحترام القوانين وتطبيقها، فيفتح المجال أمام التعددية السياسية والتناوب على السلطة، ويساهم في تقسيم العمل وإتقانه، فيحقق تكافؤ الفرص أمام المواطنين، إذ تسمح لهم بالنفاذ إلى مركز صنع القرار وإسهامهم في إدارة الشأن العام بصياغة مستقبلهم وتقرير مصيرهم.

فمبدأ فصل السلطات لا يعني الفصل الجامد بينهما، إنما التعاون والرقابة، وصلاحيات تفويضية متوازنة منسجمة، فهو السبيل لانخراط المواطنين والفاعلين السياسيين في عملية التحول الديمقراطي لتحقيق الصالح العام، بربطه المسؤولية بالمحاسبة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024