فن ممارسة الديمقراطية

نص دستور الجمهورية العربية السورية في مادته الخامسة والثمانين على إجراء انتخاب رئيس الجمهورية لأول مرة منذ دستور 1973 فقد كانت الدساتير وتعديلاتها تنص على الاستفتاء فقط، لكنه اليوم يعيد نظام الانتخاب في اختيار الرئيس.

وقد حدد الدستور وقتاً للدعوة للانتخاب وفق الفقرة الأولى من المادة 85 بمدة لا تقل عن ستين يوماً من انتهاء الولاية السابقة ولا تزيد عن تسعين يوماً، بدعوة من السيد رئيس مجلس الشعب، وتقدم الطلبات إلى المحكمة الدستورية العليا التي مقرها مدينة دمشق.

 وهنا كان من الأجدر بهذه المحكمة أن تنشئ فروعاً لها في مراكز المحافظات لتقبّل الطلبات، نظراً للظروف الطارئة والأزمة التي تمر بها البلاد، فهناك من لا يستطيع الحضور بالأصالة أو بالوكالة لتقديم الطلب لمن يرغب بترشيح نفسه ه.

يقدم الطلب مع الوثائق الرسمية التي نص عليها قانون الانتخاب والدستور، من سجل عدلي وبيان إقامته المستمرة وما يدلّ على أن زوجته تحمل الجنسية العربية السورية فقط… إلخ، وذلك خلال عشرة أيام من تاريخ الدعوة الموجهة من رئيس مجلس الشعب.

ولقد نصت الفقرة الثالثة من هذا النص على أنه لا يقبل طلب الترشيح إلا إذا كان طالب الترشيح حاصلا على تأييد خطي لترشيحه من خمسة وثلاثين عضواً على الأقل من أعضاء مجلس الشعب، ولا يجوز لعضو مجلس الشعب أن يمنح تأييده إلا لمرشح واحد. وبالعودة لهذا النص سنجد أن هذه الموافقات الخطية يجب أن ترفق مع الطلب المقدم للمحكمة الدستورية وليس بعد أن يقدمه للمحكمة الدستورية، ثم يصار إلى التأييد لاحقا كما يقوم به مجلس الشعب الآن، وهذا مخالف للنص الدستوري الآنف الذكر وللفقرة الثانية من المادة (32) من قانون الانتخاب التي تنص :

(ب- يُعلم طالب الترشيح عن رغبته في ترشيح نفسه إلى انتخابات رئيس الجمهورية العربية السورية لمجلس الشعب، كي يتسنى لعضو مجلس الشعب اختيار المرشح الذي يرغب بتأييد ترشيحه).

أي أن تأييد أعضاء مجلس الشعب شرط من الشروط الشكلية لقبول طلب الترشيح، ويجب أن يقدم مع طلب الترشيح.

 أما إعلام المرشح لمجلس الشعب فيجب أن يكون بطلب مستقل عن طلبه للمحكمة الدستورية والإعلام، يجب أن يكون من المرشح وليس من المحكمة كما يجري الآن.

كنا نتمنى لو طبّق النص وفق حرفيته وليس وفق المزاجية كما كانت سابقاً لتظهر النوايا الحسنة بالتطوير والتطبيق للقانون.

وبعد استكمال هذه الطلبات من قبل المرشح يقدمها للمحكمة الدستورية ضمن المهلة القانونية التي نص عليها القانون، ثم تقوم المحكمة الدستورية المعينة من قبل النظام القائم بدراسة الطلبات بنزاهتها المعهودة والمشهود لها بها هي وأعضائها وذلك خلال خمسة أيام من قفل باب الترشيح. وعندما تجد المحكمة أن من الطلبات ما هو مقبول وما هو غير مقبول، فإنها تقرر عدد الطلبات وأسماء المقبولين للترشح للانتخابات، فإذا كانت الطلبات المقبولة أكثر من طلبين تجري الانتخابات في موعدها المحدد.

ولكن إذا لم يكن هناك أي طلب أو أن هناك طلباً واحداً هو الصحيح فقط، يتوجب على رئيس مجلس الشعب الدعوة إلى فتح باب الترشيح مجدداً وفق الشروط ذاتها وإعادة الكرة مرة أخرى إلى حين ظهور مرشحين على الأقل.

هذه أول حالة ديمقراطية تطبق في سورية منذ زمن طويل، رغم ما يشوبها من أخطاء في النصوص، لكنها تبقى خطوة من خطوات الألف ميل، فليكن تطبيقها ديمقراطياً بحتاً ولنمارسها بديمقراطيتها الكاملة.

العدد 1105 - 01/5/2024