الجيل الضائع

منذ أربع سنوات، وقبل أن تحدث أزمة عملة اليورو، وضعت الحكومة اليونانية برنامجاً للتقشف الاقتصادي، استهدف بالدرجة الأولى الشباب. ويعاني شاب من كل شابين يونانيين من البطالة. كما أن الوضع ليس بأفضل في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا. وبحسب مركز الإحصاءات الأوربي (إيروستات) تبلغ نسبة بطالة الشباب 5,23 بالمئة. وبسبب ذلك ينشأ في أوربا جيل يمكن تسميته (بالجيل الضائع).

لم تضع الحكومات في أوربا الجنوبية برامج تعليم وتأهيل للتغلب على هذه المعضلة، وإنما عالجتها بأفكار تقليدية قديمة غير فعالة. وتصاعدت الدعوات في مقر المفوضية الأوربية في بروكسل، لوضع برامج تنمية، تنبع من التفكير الماضوي. أما النخب الحاكمة في بلدان الديون (تسمى أحياناً بلدان الأزمة) فكانت تنظر أولاً إلى جمهور الناخبين الذين يتكون أغلبهم من الطاعنين في العمر.

أضاعت دول الاتحاد الأوربي الكثير من الوقت قبل أن تقرر التحرك لمواجهة المشكلة. وطالب أنريكو ليتا، رئيس وزراء الحكومة الايطالية الجديد بوضعها على رأس جدول أعمال القمة الأوربية القادمة، واعتبارها أوَّلوية. تكاثرت في مقر الاتحاد الأوربي الأقوال وقلَّت الأفعال. وعلى الرغم من ذلك، قرر الاتحاد الأوربي تخصيص مبلغ 6 مليارات يورو لمعالجة بطالة الشباب، وذلك حتى العام 2020. وتثار الخلافات اليوم بين الدول الأعضاء حول الطريقة الفضلى للتعامل مع هذه الأموال، بما يكفل تخفيض بطالة الشباب. علماً أن البدء بذلك لن يتم قبل العام المقبل.

يقول علماء الاقتصاد الأوربيون إن مشكلة بطالة الشباب تتوسع في (بلدان الأزمة)، أي دول أوربا الجنوبية. ولذلك يتصاعد القلق من انتشار الأفكار المتطرفة بينهم. ويتخوفون من انحدار الشباب إلى الفقر، إذ يبدؤون العمل بأجور منخفضة، يُخشى أن تلتصق بهم طوال أعمارهم. سيتولى المصرف المركزي الأوربي التصرف بذلك المبلغ عن طريق تقديم مساعدات وقروض سهلة للشركات الصغرى لتوسيع أعمالها وتوظيف الشباب فيها، وبذلك تتقلص أعداد العاطلين عن العمل منهم. وتثار هنا المخاوف من عدم كفاية هذا المبلغ. ولذلك وعدت المفوضية الأوربية برفع المبلغ إلى 16 مليار يورو، يستفيد منه 790 ألف شاب من العاطلين عن العمل.

تمثل إسبانيا نموذجاً (لدول الأزمة) في هذا المجال، أي إعداد برامج تعليم وفقاً لحاجات سوق العمل. وقد خفضت الحكومة اليمينية الميزانية المخصصة للتعليم في العام 2012 بمبلغ يساوي 10 مليارات يورو. ولذلك ينظر إلى عدد العاطلين عن العمل الذي يبلغ 6.2 ملايين شخص على أنهم غير مؤهلين للعمل، مهنياً وعملياً. إن من يملك عملاً لا يترك عمله قبل التقاعد. ومن يخسر فرصة عمله، لا يجد فرصة أخرى.

يقول علماء الاقتصاد في أوربا الجنوبية إن الذي يود تقليص بطالة الشباب، عليه في البدء وضع قانون عمل عادل ومناسب للشباب على الأخص، يُنهي معاناتهم.

 

«السفير»

العدد 1105 - 01/5/2024