كُلنا للوطن.. للعلا.. للعلَم

في هذه الأيام بات العلم السوري نجم الساحة، فأينما مشيت تلتقط عيناك ألوانه، مرسوماً كل الأماكن، بطريقة متموجة أو مستقيمة، على أغلقة المحلات، الجدران، أعمدة الكهرباء، اللوحات الإعلامية، الإكسسورات (أساور، أطواق، أحلاق)، تحف فنية، تذكارات.. يرفرف في الساحات وفي الدوائر الرسمية، أضف إلى كتابة القصائد، الشعر، المواويل والأغنيات تغزلاً وحباً له، فمحبته من محبة البلد، وكأننا نريد أن نقول سورية تعني العلم والعلم يعني سورية، ليضحي العلم رمزاُ للوطن.

فالأبطال عندما ينتصرون يحملون علم بلادهم، والشهداء يوارون الثرى ملتفين بعلم بلدهم، فالشهيد شهيد للوطن .

تحرق الأعلام أو تداس استنكاراٌ للبلد أو الشعب الذي تمثله. وفي المحافل الدولية يحضر العلم -علم البلد- قبل حضور المندوب عنه، وتنكس الأعلام إعلاناً للحداد الوطني ورمزاً للانكسار، وترفع الأعلام إعلاناٌ للنصر والافتخار والاستقرار العام. وكم هو عظيمٌ ذلك الإحساس الذي ينتابنا عندما يرفرف علمنا مع غيره من الأعلام في الأروقة الدولية وكأننا نحن هو وهو نحن.

لسنا الوحيدين في تعلقنا بعلم وطننا، مثلنا كمثل باقي الشعوب البشرية، وسألنا عن السبب وعن غير ذلك أحد المختصين النفسيين، فقال: التعلق بالعلم هو التعلق بالجماعة والرمز الذي تمثله، فكل رمز يمثل جماعة والرموز بالمقابل ترتبط ارتباطاً مباشراً بالجماعة التي تمثلها، مع العلم أن الجماعة قد تكون مبنية على أساس عرقي، مذهبي، إثني، وطني أو إنساني.

والإنسان لا يحقق ذاته إلا ضمن الجماعة فهو يحمل الجماعة والجماعة تحمله، والرمز حامل الاثنين معاً ويتقدم الجماعة والفرد معاً إلى الأمام بفعل الرمز.

و إليكم بعض الأمثلة عن الجماعات والرموز التي تمثلها: فالصليب مثلاً يرمز للمسيحية، ونجمة داوود السداسية ترمز لليهودية، والهلال يرمز للإسلام، الصليب المعقوف يرمز للنازية، الزنبقة ترمز للحركة الكشفية، الحمامة البيضاء ترمز للسلام، الزوبعة ترمز للحزب القومي السوري الاجتماعي … جماعات بشرية كثيرة تحمل تاريخاً، تحمل رمزاً.فالرموز هي من عمل تاريخ الجماعة والرمز يشمل على أحداث جرت بالتاريخ، مشرفة لتاريخ الجماعة.

كما أن الرمز يحمل مشاعر اعتزاز وقوة من صنع المجتمع، وهو يشكل ذاكرة المجتمع الفخرية، وبالتالي لا يتغير إلا بموافقة الجماعة بعد حدوث تغيير تاريخي مهم في مسيرة الجماعة.فالمطلوب إذن لتغيير الرمز أمرين اثنين: تغيير تاريخي مهم وموافقة الجماعة.فمثلاً في حالتنا السورية يكون السوريون، هم من يشكلون الجماعة الوطنية، وتغيير رمزهم الوطني أي العلم حصل مرات عديدة في تاريخ بلدهم المعاصر نتيجة لأحداث تاريخية مهمة، نذكر منها عام 1946 يوم عيد الاستقلال، ومرة أخرى عام 1958 يوم الوحدة بين سورية ومصر .

وأما تغيير الرموز قسرياً ودون حدث تاريخي مهم ونوعي فما هو إلا انعكاس لعدوانية شخصية تقاطعت مع عدوانية ضد الرمز الوطني نفسه، ويظهر هذا التقاطع برغبة في تغيير الرمز .لكن يمكن للإنسان أن يعود ويتصالح مع الرمز الذي أراد تغييره يوماً ما نتيجة تجربة معينة كبيرة وقاسية ليعود عودة الابن الضال إلى حضن الرمز، والجماعة، وهنا يكون قد عاش تجربة شفاء ومصالحة حقيقية.

 لذلك علينا أن نحترم كل الرموز أياً كانت، فهي مقدسة للجماعة التي تؤمن بها، وأما عن العلم السوري، الرمز الحالي للجماعة السورية فعلينا أن نحترمه ونقبله ريثما يحدث أي تغيير تاريخي يحظى بالموافقة الشعبية .

وأما عن تمسكنا الشديد بالعلم رمزاً للوطن والتفنن بحبه واقتنائه فسبب ذلك شعورنا الداخلي بالتهديد وكأن الحرب على الوطن هي أيضاً حرب على الرموز، وتمسّكنا بالعلم هو تعبير عن تمسكنا بالوطن.

والخطر الأكبر على الجماعة الوطنية ورمزها هو محاولة تقسيمها وأعلامها على أسس إثنية، عرقية أو مذهبية.

فوحدة العلم هي رمز لوحدة الجماعة- الشعب، لذلك علينا أن نعود بصفتنا جماعة سورية إلى انتمائنا الأوسع والأشمل، وأقصد هنا انتماءنا للوطن. نعود إلى وطننا عودة الابن الضال ولنعش تجربة مصالحة حقيقية شعباً، وطناً، ورمزاً. فكما يقول النشيد الوطني لبلدي (رفيفُ الأماني وخفقُ الفؤاد على علمٍ ضمّ شملّ البلاد).

 الوطن يوحّدنا ويضم شملنا، بالرغم من تنوعنا (السياسي، الإثني، العرقي المذهبي)؟ وهو أكبر وأوسع من عقدنا وانتماءاتنا الضيقة، لننشد جميعاً جملة تحضرني من النشيد الوطني للبنان الشقيق: (كلنا للوطن.. للُعلا للعلَم..كلنا كلنا)!

العدد 1105 - 01/5/2024