الإجراءات الإدارية لعقد الزواج ومخاطرها

تسعى المجتمعات إلى الحفاظ على كينونتها وتعمل على تطوير آليات التوافق والتماسك الأسري لإيمانها بأن الأسرة هي طليعة المجتمع الأساسية وهي نواته فقد نصت المادة 44 من الدستور السوري على:

1- الأسرة هي خلية المجتمع الأساسية وتحميها الدولة.

 2- تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه.

وبما أن عقد الزواج عقد مدني تسري عليه سائر الأحكام المدنية ما يميزه الإشهار الذي لا يخرجه عن طبيعته المدنية، ولكن عند إنشاء أي عقد نكاح أو تثبيته حسب قانون الأحوال الشخصية يحتاج إلى إجراءات إدارية بعد نشوئه لدى القاضي الشرعي، وذلك حسب المواد 40 _ 46 منه، وأي مخالفة لهذه الإجراءات تترتب عليها عقوبة، وهذا ما نص عليه قانون العقوبات العام السوري في المواد 472،449 فقد نصت المادة 470 من قانون العقوبات على أنه: (يستحق العقوبة نفسها رجل الدين الذي يعقد زواجاً قبل أن تتم الإعلانات والمعاملات التي نص عليها قانون الأحوال الشخصية).(العقوبة هي غرامة 100-250 ل.س).

ونصت المادة 40 من قانون الأحوال الشخصية على ما يلي: (يقدم طلب الزواج لقاضي المنطقة مع الوثائق التالية:

1- شهادة من مختار وعرفاء المحلة باسم كل من الخاطب والمخطوبة وسنه ومحل إقامته واسم وليه، وأنه لا يمنع من هذا الزواج مانع شرعي.

2- صورة مصدقة عن قيد نفوس الطرفين وأحوالهما الشخصية.

3- شهادة من طبيب يختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية ومن الموانع الصحية للزواج، وللقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره (الآن أصبح في سورية مركز صحي معتمد لفحص ما قبل الزواج).

4- رخصة بالزواج للعسكريين ولمن هم في سن الجندية الإجبارية.

5- موافقة مدير الأمن إن كان أحد الزوجين أجنبياً. فلا يثبت عقد الزواج المعقود خارج المحكمة إلا بعد استيفاء هذه الإجراءات على أنه إذا حصل ولد أو حمل ظاهر يثبت الزواج من دون هذه الإجراءات ولا يمنع من ذلك إيقاع العقوبة القانونية.         

ولكن محكمة النقض سوغت تجاهل هذه المادة حينما نصت في أحد مبادئها على (أن استكمال الشروط الجوهرية لإثبات الزواج توجب إثباته من الناحية الشرعية والقانونية حتى مع عدم استكمال بعض الوثائق التي تحتاجها عملية تسجيل هذا الزواج في سجلات واقعات الزواج أو سجلات الأحوال المدنية كما لا تمنع من الحكم بصحة هذا الزواج من الناحية الشرعية). فما دام الزواج ثابتاً من الوجهة الشرعية فلا مسوغ لأي تأخير أو تعليق لإجراء عقد الزواج لاستكمال الثبوتيات المطلوبة ولن تؤثر في صحة الزواج. وغالباً ما يتم استكمال هذه الثبوتيات شكلياً متجاوزين ما نص عليه القانون، مثلاً دون فحص الزوجين والتأكد من سلامتهما، وبعد الزواج يتبين وجود علل وأمراض ودون إجراء فحص الإيدز كما للشخص غير السوري سواء، زوجاً أو زوجة. وأيضاً اللجوء إلى الزواج العرفي والقبول بمخاطره وما يؤدي إليه غالباً من ضياع حقوق الزوجة، ولمن يؤدون الخدمة العسكرية والعسكريين، وذلك للتهرب من شرط الرخصة، فبعد حصول الحمل يتم تثبيته بقوة القانون، حيث أن مدة الحمل الظاهر هي أربعة أشهر. وأيضاً عدم تثبيت الزواج من غير العربي إلا بموافقة أمنية ولو تمت ولادة طفل، بينما لو تمت ولادة الطفل من زوج عربي يثبت الزواج. واللجوء إلى النماذج المطبوعة لإجراء عقد الزواج فيه تفويت لحق الزوجة عند ذكر الشروط الخاصة مثل الإذن بالعمل أو السكن أو السفر أو العصمة. وأيضاً ما ينجم عن المادة 44 من عقبات التبليغ لعدم التقيد بالبيانات لأسماء الطرفين كاملة وموطن كل منهما عند حصول خلاف بين الزوجين. وعدم ذكر الحالة الدينية للشاهدين وما ينجم عنه من فساد العقد فيما إذا تبين عدم إسلام أحد الشهود أو كليهما في حال كان الطرفان مسلمين. وكذلك المادة 45 جعلت مسؤولية إرسال صورة عن عقد الزواج لدائرة الأحوال المدنية على عاتق المساعد دون الحاجة إلى طرفي العقد. وللحد من العقود العرفية أعفى المشرع المعاملات الزوجية من الرسم في المادة 46 وهذا ما يجعل الزوجة غالباً تتنازل أو تنقص من المهر في الزواج العرفي.

وبما أن القانون يشكل حلقة هامة من حلقات عملية التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات، فإنه يتعين إجراء تعديل على التشريع الذي قامت عليها القوانين، وإن تعديل قانون الأحوال الشخصية أصبح ضرورة ملحة لتلبية حاجات العصر المتطور، ولا سيما وسائل الاتصال والاعتماد على برنامج الأتمتة الذي يؤمن كل الأوراق الثبوتية بوقت وجهد قصيرين، ومن الضروري أيضاً تعديل قانون العقوبات بأن تكون العقوبة السجن، إضافة إلى تعويض عن الضرر حتى تكون رادعاً للمقدمين عليه وحتى لا يشكل داعياً لابتزاز المرأة والرجل وحفاظاً على أعراض الناس والحقوق المالية المترتبة على عقود الزواج. وقصر مفاعيل المادة 40 على معاملات تثبيت الزواج التي تتم بالطريق الإداري في ديوان المحكمة، وهذا ما يعزز استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية التي تعيق استكمال الأوراق قبل النطق بالحكم.

العدد 1105 - 01/5/2024