200 عام على ولادة الشاعر الروسي ميخائيل ليرمنتف

لا، أنا لستُ بايرون،

أنا مختار آخر غير معروف،

مثله، غريب يلاحقه العالم،

ولكن بروح روسية.

أنا بدأتُ أولاً، وسأنهي قبل،

وعقلي لن ينجز سوى القليل:

في قلبي، كما في المحيط،

يوجد ثقل الآمال المحطمة.

فمن يستطيع، أيها المحيط الكالح،

أنْ يكشف أسرارك؟. مَن

سيحكي للناس عن أفكاري؟

أنا – أم الرب – أم لا أحد!

  

قبل أيام، في 15 (أكتوبر) الحالي، أحتفلت الأوساط الأدبية والثقافية في روسيا والبلدان الناطقة باللغة الروسية، وجميع محبّي الشعر الرفيع، بالذكرى اليوبيلية – مرور 200 عام على ولادة الشاعر الروسي النبوي والعظيم ميخائيل ليرمنتف 1814 – .1841. الذي عاش 27 سنة فقط.. فأبدع كما لو أنه عاش قرناً كاملاً بطوله!

يُعتَبَرُ ليرْمَنْتف واحداً من أرفع ممثلي القيم الروحية – الجمالية للثقافـة الروسية. ولد ميخائيـل يورييفيتـش ليرمَنْتف في الثـاني (الرابع عشر) من شهر تشرين الأول عام 1814 عند البوابة الحمراء لمدينة موسكو في عائلة ضابط متقاعد..

لقد كان للقفقاس ولطبيعته الساحرة، دور كبير في حياة وإبداع الشاعر العظيم.. وقد وجد ذلك انعكاساً له في الكثير من القصائد التي تُعَدُّ من عيون الشعر العالمي، والتي كرّسها ليرمنتوف للقفقاس.. ومنها هذه الكلمات التي خاطب بها ليرمنتوف جبال القفقاس.. كما لو أنه يخاطب إنساناً عزيزاً على قلبه. إنها من أروع التحف النثرية!

(أحييكِ، يا جبال القفقاس الزرقاء! لقد احتضنتِ طفولتي؛ وحملتِني على قممك المستوحشة؛

ألبَسْتِني رداءاً من الغيوم؛ أنتِ عوّدتِني على السماء، ومنذ ذلك الحين وأنا أحلم بكِ و بالسماء فقط! ..

يا عروش الطبيعة، التي تتطاير عنها الغمامات الرعدية كما الدخان؛ يا من إذا حدث وصلّى إنسان للخالق على قممكِ، فإنه لا بد سيحتقر الحياة على الرغم من أنه في تلك اللحظة كان يفتخر بها..!).

***

(كثيراً ما كنتُ أتطلَّعُ، مع بزوغ الفجر، إلى الثلوج وإلى الجبال المغطاة بالثلوج في البعيد؛ كانت تتلألأ في أشعة الشمس المشرقة، وقد اتشحت ببريق وردي، فكانت، وبينما في الأسفل كلُّ شيء يغرق في الظلام، تعلن للعابر عن قدوم الصباح. وكان لونها الوردي أقرب إلى لون الخجل: كما لو أنَّ الصبايا حين يشاهدن فجأة رجلاً وهنَّ يسبحن، وبسبب الاضطراب لا يلحقن برمي الثوب الأبيض على الصدر.

كم أحببتُ عواصفك المدوّية، التي كانت تجيبها الكهوف كالحراس الليليين..!

ثمة شجرة وحيدة تقف على تلٍّ أملس وقد انحنت تحت تأثير الريح والأمطار، وهناك دالية تصرخ في أحد الثغور، ودرب مجهولة فوق هاوية، حيث يجري سريعاً نهرٌ بدون اسم، وقد غطاه الزبد؛ وإطلاق رصاص غير متوقع، والخوف بعد الإطلاق: أعدوٌّ خطير أم بكل بساطة صياد…

يا لروعة كلِّ شيء، كلَ شيء في هذه المنطقة..).

تمتاز أشعار ليرْمَنْتف بابتعادها عن الحياة الدنيوية بترفع وشموخ ، وباحتقار المعيشة المبتذلة، بالانجذاب نحو الخلود، نحو الله. وفي سعيه إلى الخلود كانت تنتاب ليرْمَنْتف مشاعر الاستكانة السعيدة والهارمونيا الجمالية. عند ذاك فقط كانت تستكين روحه القلقة، وعند ذاك فقط وفي حالة من الاحتقار الحدسي كان يبدأ بإدراك (السعادة في الأرض) ويرى الله في السماوات. وعندئذ كان شعره يخلق موتيفات رقيقة للغاية من حيث نبرتها الدينية العميقة، وطفولية من حيث اندفاعها العفوي .. موتيفات تنبض في هكذا قصائد مثل: (في لحظات الحياة الصعبة)، (عندما يضطرب الحقل الأصفر)، (أنا، يا أم الرب) وغيرها. إن ليرْمَنْتف بالذات، مَن أبدع ملحمة Demon ، هو الذي كتب تلك السطور المباركة التي تسكن ذاكرة القارئ إلى الأبد:

سأعطيك لأجل السفر

أيقونة مقدسة،

رجاء، ضعْها أمامك

وأنت تصلّي للرب.

كان ليرْمَنْتف واثقاً بأنه لا يمكن أن يوجد أي تواطؤ بين الشاعر ـ النبي وبين الرعية الخالية من الروح، كما لا يمكن أن تكون ثمة أية مصالحة بينهما. وقد عكس تلك الفكرة بأبيات مصقولة في واحدة من أروع التحف في الشعر العالمي:

فالحياة اليومية مبتذلة  ولا معنى لها من دون دفقات روحية قوية باتجاه الخلود، نحو الكمال الرباني. وحتى الحب الأرضي غير قادر على ملأ  ذلك الفراغ.

أشعر بالسأم وبالحزن، وليس مَنْ أَمدُّ له يدي

في لحظةِ نكبةٍ روحية…

والأمنيات! .. ما فائدة التمني عبثاً وبشكل دائم؟..

والسنون تمضي ـ الأفضل من بين السنين…

أن أهوى … ولكن مَن؟ .. لبعض الوقت – لا يستحق الأمر

وأن أهوى إلى الأبد لمستحيل…  

وإن أنظر إلى نفسي؟  ـ ليس للماضي هناك من أثر:

والفرح، والعذابات، وكل شيء لا قيمة له…

وما العواطف؟  ـ عاجلاً أو أجلاً سيزول

أثرها الحلو حين يتكلم العقل،

والحياة، إذا ما نظرتَ حولك بانتباه بارد ـ

مجرّدُ نكتةٍ فارغة وغبية …

ملاحظة:

القصائد المترجمة من كتاب (انطولوجيا الشعر الروسي) قيد الطباعة

العدد 1107 - 22/5/2024