اضطراب ما بعد الصدمة

بداية تعرّف الصدمة بأنها أي تجربة تحقق الشرطين التاليين:

1- خطر جسدي قد يؤدي إلى إصابة أو الموت، مرافق بالإحساس بفقدان السيطرة على الجسد.

 2-  استجابة للحادث تتضمن شعوراً بالخوف الشديد و العجز أو حالة من الضعف.

اضطراب ما بعد الصدمة أوPTSD Post Traumatic Stress Disorder ) ) هو اضطراب نفسي ناتج عن تعرض الأشخاص بشكل مباشر أو غير مباشر لأزمة أو صدمة معينة مثل الكوارث الطبيعية، الحروب، الاغتصاب، الأعمال الإرهابية.. إلخ.

إن PTSD  هو مرض حقيقي والمصابون به لديهم معاناة جدية مع هذا المرض.

سابقاً إبّان الحرب العالمية الثانية كان هذا الاضطراب يسمى بصدمة القصف أو صدمة القذائفShell Shock)  ) وفيما بعد سمي باضطراب ما بعد الصدمة.. لأنه لا ينحصر فقط بالأشخاص الذين خاضوا حروباً إنما كل شخص تعرض لصدمة في حياته، وقد يحدث للنساء والرجال على حدّ سواء، ولا تهمّ جنسية المصاب أو عرقه أو لونه لأن الجميع معرضون لذلك.

بعد مرور فترة طويلة من انتهاء الصدمة، يراود المصابين بهذا الاضطراب الشعور القوي نفسه والمزعج المرتبط بالصدمة التي عاشوها. يعيشون الحالة مرة أخرى عن طريق الأحلام أو ومضات من ذاكرتهم.

وقد يعانون الحزن الشديد، الخوف، الغضب، وقد يشعرون بأنهم منفصلون أو غرباء عن الأشخاص من حولهم، وقد يتهربون أو يبتعدون عن أي أحداث أو أشخاص يرتبطون بالحادث الذي تعرضوا له سابقاً.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة :لقد حدّدت أربع فئات من الأعراض سنذكرها بإيجاز:

 -أعراض عيش التجربة: مثل ذكريات الغير المرغوبة والمتكررة بشكل لا إرادي: أحلام وكوابيس مزعجة، أو تخيلات من الصدمة التي تعرض لها المصاب، هذه التخيلات قد تكون واضحة جداً لدرجة أن يتوهم المصاب بأنها أحداث حقيقية تتكرر فعلاً وكأنه يراها أمام عينيه مجدداً.

– أعراض التجنب والتهرب من الأشياء المرتبطة بالحادث: قد يشمل تجنب الأشخاص الأماكن، النشاطات، أو الحالات التي تعيد ذكريات مزعجة. المصابون قد يتجنبون هذه الذكريات بعدم الحديث أو عدم التعبير عن شعورهم تجاه ذلك الحادث.

الأفكار والمشاعر السلبية: (يتطلب ظهور عرضين على الأقل من هذه الأعراض) يظهر لدى المصاب بشكل متكرر ومتسمر بعض الأفكار السلبية عن أنفسهم أو عن الآخرين (على سبيل المثال (أنا شخص سيئ) أو (أنا لا أثق بأي شخص آخر).

أو يمر أيضاً بحالات خوف شديد، غضب، شعور بالذنب، خجل، أو يبتعد عن الآخرين من حوله .

 أعراض الاستثارة وردات الفعل: قد تظهر بأشكال عدة، كأن يتصرف المصاب بشكل مزعج وعصبي، سلوك متهور أو تدمير ذاتي، ردود فعل مفاجئة ومبالغ بها، اضطرابات في التركيز أو النوم .

الكثير ممن تعرضوا لحادث أو صدمة معينة تظهر عندهم بعض هذه الأعراض المذكورة بعد أيام من الحادث نفسه، ولكن في اضطراب ما بعد الصدمة هذه الأعراض قد تستمر بعد شهور أو حتى سنوات من الحادث.

ويرتبط هذا الاضطراب باضطرابات نفسية أخرى مثل الاكتئاب، أزمات القلق، الإدمان (بأنواعه المختلفة)، اضطرابات في الذاكرة، وحتى بعض الاضطرابات الجسدية الأخرى.

 

العلاج

ليس كل من تعرض لصدمة سيتعرض لاضطراب ما بعد الصدمة، ولايحتاج كل من لديه هذا الاضطراب إلى العلاج. عند بعض الأشخاص هذه الأعراض ستزول مع مرور الوقت، والبعض الآخر سيحصل على نتائج أفضل من خلال مساعدة عائلته وأصدقائه له.

ولكن الكثير من الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب يحتاجون إلى معالجة من أشخاص مختصين بهذا المجال لكي يتجاوزوا هذه المعيقات النفسية التي قد تؤثر على حياتهم وحياة الآخرين من حولهم.

الاطباء النفسيون والأشخاص المختصون بالعلاج النفسي يتبّعون عدة طرق (مدروسة ومثبتة علمياً) لمساعدة هؤلاء الأشخاص، بالإمكان مساعدتهم عن طريق العلاج النفسي وبعض الأدوية أيضاً، سنتكلم هنا عن بعض طرق العلاج النفسي:

 – العلاج المعرفي: تقوم هذه الطريقة بالتركيز على الأفكار المؤلمة وتحديدها (الخجل، الشعور بالذنب.. إلخ) وعلى الاعتقادات «(لقد فشلت في حياتي)، (العالم مكان خطير جداً)». تبعاً لنوع الصدمة ودرجتها يقوم المعالجون بمواجهة هذه الذكريات المزعجة والعواطف المؤلمة .

– العلاج بالتعرض: ويكون ذلك بتكرار التخيلات والذكريات عن تفاصيل الصدمة وتحفيزها ضمن وسط آمن ومسيطر عليه لمساعدة المريض بالتحكم على الخوف والضيق الذي يعانيه. على سبيل المثال: برامج الواقع الافتراضي التي تُستخدم للمحاربين القدامى بجعلهم يعيدون تجربة المعركة، ولكن المعركة ستكون موجهة بطريقة علاجية ومدروسة وضمن بيئة آمنة.

 – العلاج النفسي العائلي: قد يكون هذا النوع من العلاج مفيداً لكي يتم ضبط تصرفات أفراد العائلة تجاه الشخص المصاب بالاضطراب، لأن بعض تلك التصرفات تؤثر تأثيراً سلبياً وعن غير قصد على هذا الشخص، وبالتالي ردة فعل هذا الشخص ستؤثر على العائلة بأكملها.

 – العلاج النفسي الجماعي: يساعد الناجون من الصدمات المشابهة على مشاركة خبراتهم وأفكارهم ومشاعرهم أعضاء هذه المجموعات، يساعدون بعضهم البعض بأن يدركوا بأن أي شخص آخر لو كان مكانهم لكان قد تصرف بشكل مشابه وسيشعرون بالشعور نفسه، وبالتالي الذنب لم يكن ذنبهم وحدهم بهذه التصرفات خلال الصدمة أو بعدها.

الكثير ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة يجدون أن مشاركة مشاعرهم وأفكارهم والصعوبات التي تواجههم أسهل مع الأشخاص الذين عانوا من حالات مشابهة، ولذلك العلاج الجماعي قد يكون فعالا جداً ومفيداً لهم وللآخرين.

العدد 1105 - 01/5/2024