تقنية المعلومات.. وانعكاسات متعددة

جاءت ثورة الاتصالات في القرن الماضي، نقلة نوعية في حياة البشرية، لما أحدثته من تأثيرات وتغيّرات في مختلف مناحي الحياة، ثورة حملت معها أشرعة التغيير قسراً أو اختياراً، بفضل استخدامها لتقنيات اجتازت عتبات المسموح والممنوع معاً، لتحطّ رحالها في مجتمعات ربما كانت مهيأة وجاهزة لاستقبالها، وأخرى (مجتمعاتنا مثلاً) لم تكن مهيأة، تبعاً لمنظومة الوعي الفكري والثقافي والعلمي لهذه المجتمعات.

لقد غزت هذه التقنيات الوجود الإنساني بكل أبعاده الروحية والفكرية، وحتى البيولوجية، وساهمت بشكل أو بآخر بتشكيل منظومة وعي ثقافي واجتماعي جديدة، لاسيما لدى شرائح الشباب، باعتبارها قلّصت الكون كله في إطار مجموعة محطات وأقمار فضائية، أصبحت هي صاحبة القرار في الشأن العام والخاص على حدٍّ سواء.

ومجتمعاتنا ولا شك، هي واحدة من البلدان التي استقبلت تلك الرحال دون استعداد وتهيئة، لا على الصعيد الشخصي ولا العام، ودون وجود آلية للتفكير في التعامل معها بالشكل الصحيح والمفيد. إذ بقيت متروكة على هواها تسرح وتمرح بفوضوية أقرب للضياع منها إلى الاستفادة والتطور، خاصة حين يكون التعاطي مع تلك التقنيات مشوّهاً ومستشرياً وممتداً إلى كافة المستويات الاجتماعية، دون أن يعترضه رفض رسمي أو اجتماعي، على الرغم مما نشره هذا الغزو التقني في جانبه السلبي من سموم تغلغلت كالسرطان داخل التكوين النفسي والفكري لغالبية شرائح الشباب لاسيما المراهق، مما حمل معه آثاراً سيئة بالغة الخطورة على علاقة أولئك الشباب بمحيطهم الاجتماعي لاحقاً، من خلال ما غزا بنيتهم النفسية والفكرية، وبما حملوه من معتقدات ومفاهيم يُسقطونها على من يتعامل معهم في المجتمع والأسرة التي سيكونون عمادها في المستقبل بعد الزواج، فضلاً عن العديد من الأمراض النفسية( كالعزلة، والاكتئاب، وربما التوحّد).

من هنا، أعتقد أن مهمّة الجميع، أفراداً وهيئات رسمية ومجتمعية أن تُسارع إلى التعامل والإرشاد العلمي لأبنائنا كي ينهضوا من استلابهم المرعب.

العدد 1105 - 01/5/2024