المردود الإيجابي للمعرفة القانونية

إحدى أهم المشاكل التي تواجه العالم البشري هي حالة التصادم في كيان المجتمع لتباين المصالح والأفكار التي تضعها أمام الأزمات. فمن أسس الدولة الحديثة المستقرة ومبادئها، خلق الوعي العام لدى كل الأفراد، بنشر الثقافات المتعلقة بالجوانب الصحية والبيئة والقانونية والأمنية وغيرها من الثقافات العامة.

ويعتبر الوعي المجتمعي للثقافة القانونية بمفهومها الإنساني والاجتماعي والقانوني، وانتزاع فكرة الأنانية والفردية، وتعزيز فكرة المشاركة، هو حجر الأساس لتحصين الأفراد والمؤسسات من المخاطر التي تهدد تماسك الدولة. وذلك بالاطلاع على الخفايا والأسباب لتشريع، القانون بوصفه القاعدة التشريعية التي تنظم السلوك العام للأفراد، والتي تهدف إلى صون حريات الأفراد ومصالحهم الخاصة وكفالة المصلحة العامة، باقترانها بجزاء مادي توقعه على من يخالفها السلطة العامة المختصة.

وفي ظل تشابك الأمور المعيشية، والمتغيرات السريعة والهائلة، وتعقّد المصالح والأحوال، أصبح من الضروري التوغّل في عالم التشريعات والقوانين التي تتعلق بأنشطة الحياة اليومية كلها، وتحرّكاتنا وعلاقاتنا الاجتماعية، والمدنية، والتجارية، والسياسية، والاقتصادية وغيرها، وذلك لتمهيد الأرضية لتطبيق القوانين على نحو فعّال وناجز اجتماعياً، مما ينعكس على انتظام العمل وحسن أدائه وزيادة الإنتاج. فالمعرفة القانونية تزيد في كفاءة الموظفين والعاملين للقيام بواجباتهم بأمانة وإخلاص.

نصّت المادة 25 من الدستور السوري على (التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية أركان أساسية لبناء المجتمع وتعمل الدولة على تحقيق التنمية المتوازنة بين جميع مناطق الجمهورية العربية السورية).

فبناء الدولة، وتحقيق التنمية المتوازنة، يستوجب نشر العلم والمعرفة ووصولهما إلى الأفراد كافة، وبضمن ذلك العلم والمعرفة بالقواعد القانونية، والنصوص التشريعية، وكل ما يتفرّع عنها من أنظمة وتعليمات، وما يترتب عليها من حقوق وواجبات وصلاحيات وإجراءات تنفيذية. فهي ضرورة لكل إنسان أيّاً كان موقعه، أو وظيفته، أو حرفته، لتولد القناعة بموجباتها وضرورة الالتزام بها.

وتبنّى المشرع السوري مبدأ(لا جهل بالقانون) مفترضاً العلم بالنصوص القانونية لجميع المقيمين على الأرض السورية، سواء كانوا يحملون الجنسية السورية أو جنسية دولة أجنبية، ففي المادة 222 من قانون العقوبات السوري: (؟- لا يمكن لأحد أن يحتج بجهله القانون الجزائي أو تأويله إياه تأويلاً مغلوطاً).

 وقد استثنى المشرّع السوري من هذا المبدأ (2- غير أنه يعد مانعاً للعقاب – أ- الجهل بقانون جديد إذا اقترف الجرم خلال الأيام الثلاثة التي تلت النشر.

– ب- جهل الأجنبي الذي قدم إلى سورية منذ ثلاثة أيام على الأكثر بوجود جريمة مخالفة للقوانين الوضعية لا يعاقب عليها قوانين بلاده أو البلاد التي كان يقيم فيها)، وحيث أن القانون يسري على جميع الأشخاص المخاطبين بأحكامه، حتى ولو كانوا يجهلونه أو لا يعلمون به بما فيهم الأشخاص الذين يُطلق عليهم لقب المغفلين، أي عديمي التمييز والإدراك (المجنون، المعتوه، السفيه، وذي الغفلة، ومن شاب إرادتهم أحد عيوب الإرادة، وهي الغلط، التدليس، الإكراه، الغبن، الاستغلال) فقد وضع المشرّع لهم قواعد خاصة تحكمهم، كعدم عقابهم، أو بطلان تصرفاتهم القانونية، أو أجازها لنفع لهم.

وأكد مبدأ أن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلاّ بقانون.

 في المادة 51من الدستور السوري، حدد المشرّع الجريمة المعاقب عليها، وحدد العقوبة، وفرض إعلان ذلك كتابياً ليكون المواطنين على علم بها.

وأيضاً، نص المشرّع على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وذلك في المادة 33 من الدستور السوري، مما استوجب من المواطنين التعمق بمعرفة القوانين والأنظمة السارية لتقبل الواجبات التي يفرضها القانون عليهم، ومعرفة الحق الذي يحتاج إلى حماية ورعاية قانونية. فالمساواة في معاملة المخاطبين بالقواعد القانونية يستوجب المساواة في العلم بأحكامها.

فالمعرفة والثقافة القانونية هي إحدى ركائز المواطنة في المجتمع، لأنها تساعد على تعديل سلوك الأفراد عامة وتقويمه، من حيث مكافحة الفساد الإداري والمالي، وتحدّ من تجاوز القانون، والتحايل عليه، والاستغلال والتعدي على الحقوق الخاصة، وتحسين الأداء العدلي، وتُقلل من مراجعة القضاء.

ولأن القانون هو الأداة لتنظيم حياة الأفراد والمؤسسات، ويعبّر عن إرادة الدولة، فالدولة مسؤولة عن إعلام الناس به بطرقها ووسائلها الإعلامية، خاصة مع التقدم التكنولوجي المذهل، وانتشار المعلومات القانونية عبر الإنترنت، هذا إضافة إلى نشره بالجريدة الرسمية، والمتعارف عليها لدى الناس كافة وإدخاله ضمن مناهج التعليم بكل مراحله.

وبذلك نصل إلى مبدأ سيادة القانون ليحتل المكانة السامية في المجتمع، بتطبيقه واحترامه، والتقيّد به بملء الإرادة والقناعة، ويؤدي ذلك إلى رقي المجتمع وحفظ حقوقه وأمنه.

العدد 1107 - 22/5/2024