تساقط الأجيال في براثن الغزو الفكري

نتيجة التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية الذي لم تشهد له البشرية مثيل من قبل، أصبحنا نواجه العديد من التحديات والمشاكل بشتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، ومن تلك التحديات الغزو الفكري والثقافي، فدخول الانترنت في عالمنا واستخدامه دون قيود أو رقابة أدى إلى زيادة هذه التحديات في غزو لم تشارك فيه طائرات ولا دبابات، فانتقلت ساحة الحرب إلى ميدان الفكر والثقافة، مستهدفة أسمى ما في الإنسان من عقيدة وفكر وقلب وعقله، غزو عطل الإيمان وكل ما هو متسامح ورحيم في الدين، ليقوّض النسيج الاجتماعي، ويفتح الباب للحروب الأهلية والتهجير والتدمير، وتفكيك المجتمع بوسائل ناعمة وخادعة وعلنية تامة تحت سمع وبصر القانون وحمايته ورعايته .

وحيث أن التنمية البشرية الركيزة الأساسية لمقومات التطور والتقدم والذي تشارك فيه جميع شرائح المجتمع، للارتقاء بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعقائدي والسياسي. فالتعددية التي تؤلف النسيج الوطني السوري ركيزة أساسية في المجتمع السوري. والدولة السورية وطن لجميع مواطنيها بشتى أصولهم العرقية أو الطائفية أو المذهبية. لذا جاء الدستور السوري متناغم مع تحقيق هذه التنمية والتعددية، فقد كفل الدستور في المادة /9/ منه حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده وأيضا جاء في المادة 43 من الدستور (1- حرية الاعتقاد مصونة وفقا للقانون -2 – لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول والكتابة أو بوسائل التعبير كافة)، وكذلك المادة 47: (تكفل الدولة حماية الوحدة الوطنية، وعلى المواطنين واجب المحافظة عليها).

وللتحقيق التنمية البشرية اوجب المشرع على التربويين تكوين الانسان المتزن القادر على بناء الوطن والمؤمن بوطنه والمحب لأبناء شعبه.

تنص المادة 28 من الدستور(يقوم نظام التربية والتعليم على إنشاء جيل متمسك بهويته وتراثه وانتمائه وحدته الوطنية). وأيضاً المادة/32/ منه: (تحمي الدولة الآثار والأماكن الأثرية والتراثية والأشياء ذات القيمة الفنية والتاريخية والثقافية) .

وحيث أن الحرية حق مقدس في الدستور ضمن ضوابط،فقد نصّت المادة 182 من قانون العقوبات نصت على (الفعل المرتكب في ممارسة حق دون إساءة استعماله لا يعد جريمة) فإن إساءة استعمال حق الحرية بما يضر الأفراد والممتلكات والمجتمع يعاقب عليه القانون .فالغزو الفكري وما رافقه من إرهاب خصه المشرع في قانون العقوبات السوري الذي جاء كاف وشامل وجامع ومانع لأي تصرف جرمي حيث نص الباب الأول (على الجرائم الواقعة على أمن الدولة) ونص على تجريم الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي (الخيانة-التجسس- الصلات غير المشروعة بالعدو- النيل من هيبة الدولة) ونص أيضاً على تجريم الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي (الجنايات الواقعة على الدستور- اغتصاب سلطة سياسية أو مدنية- الفتنة -الإرهاب- الجرائم التي تنال من الوحدة الوطنية أو تعكر الصفاء).

وفي الاعتداء على سلامة طرق النقل والمواصلات.

فالفكر السقيم هو أساس الجريمة، لتبنيه الأفكار الهدامة والتعصب لها، وإقصاء الآخرين ونفيهم من الوجود.

ولمعالجة هذه الطفرة السرطانية التي أصابت المجتمع السوري نتيجة هذا الفكر السقيم، كان لابد من تضافر كل الجهود من قبل جميع مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية، والسلطتين التشريعية والتنفيذية، وأهمها وزارة التربية بصفتها الراعي الرسمي لمفاهيم التعليم، والتعاون مع كل الجهات المعنية من دور المساجد والإعلام وتقنيات الاتصالات لبناء سد حصين يعمل على حماية مجتمعنا بشكل عام، وأسرنا بشكل خاص من ذلك السيل الجارف المدمر للأخلاقيات والقيم والثوابت، ونشر الفكر السليم، ومعرفة الأسباب الحقيقة التي تدفع الشباب لتبني هذا الفكر، ومن ثم التدخل بعناية لعلاج تلك الأسباب، ومنها رفع الظلم الاجتماعي، وإصلاح البنية التعليمية، وخفض معدل الفقر، ومكافحة الفساد، وفتح أسواق جديدة للعمل، وتبني خطط إصلاحية شاملة في البنية التحتية، وسد ثغرات الفراغ التي سببتها البطالة والفقر والجهل، وذلك بالعمل الجاد لتلبية طموح الشباب في تنمية مهارتهم، وفتح مجالات الابتكار والاختراع، وتدريبهم على أفضل الطرق للتعامل مع التطورات العالمية، ونشر قيم التعددية وقبول الأخر والتسامح السياسي والفكري.

إن تكفير المواطنين المؤدي للأذى المعنوي أو للفتنة والقتل والتهجير بسبب هويتهم الطائفية او قناعاتهم الفكرية يجب ان تصبح جريمة يعاقب عليها القانون وسن تشريعات قانونية لازمة لذلك، واعتماد تعزيز مبدأ الحوار، واحترام الرأي والرأي الآخر، والتركيز على دور الأسرة وأهمية تماسكها، وتعزيز قدراتها في ظل التحديات المتعلقة بالجوانب الفكرية من غزو القيم والأسس الإيمانية والأخلاقية والثقافية التي لها بعد تربوي يقع على الأهل، وبعد ثقافي يقع على عاتق المجتمع لأنه المسؤول عن مقت هذه الأشياء وعدم استحسانها، وبعد قانوني يجب أن يكون رادعا لمثل هذه الظواهر، وعلى العلماء والمفكرين تصحيح المفاهيم المغلوطة حول الإسلام والمسلمين.

العدد 1105 - 01/5/2024