التشريعات القانونية ودورها في غياب الشباب عن الساحة السياسية

في ظل التغيرات والتحديات السريعة والمتباينة التي تستهدف عقل الإنسان ووجدانه، والتي تشمل أيضاً معظم مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، وحتى الإنسانية والأخلاقية، حيث يشكل الشباب العنصر الأهم في عملية التأثير والتأثّر في المجتمع، باعتبارهم الثروة البشرية التي تقوم على عاتقها عملية تطوير وتنمية المجتمع، كما أنهم العنصر الأساسي في السياسة التنموية التي تتطلب تأهيلهم وتمكينهم صحياً وتعليمياً وثقافياً وسياسياً للحد من الفقر والبطالة، وهذه مسؤولية تقع على عاتق المجتمع والأسرة وكل السلطات المختصة في الدولة،لبث الأمل وتوعيتهم بقضايا الوطن. فالشباب المؤهل هو القادر على تطوير العلوم والتكنولوجيا وتطويعها من أجل تحقيق التنيمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وإنفاذاً لذلك فقد نص الدستور السوري لعام 2012 على حماية ورعاية النشء والشباب بالمادة 20 فقرة2: (تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات الاجتماعية والمادية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم).

وإذ يعتبر العمل السياسي المجال الأوسع لمنح الشباب كياناً يمثلهم ويعبر عنهم حين يطلق تنوع الطيف السياسي الإبداع والطاقات الكامنة لدى الشباب لتطوير وبناء الوطن، وهذا ما أكدته المادة8  من الدستور السوري التي نصت على:

(يقوم النظام السياسي للدولة على التعددية السياسية وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع.

-تسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية وعليها احترام مبادئ السيادة الوطنية والديمقراطية.

-لا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي أو قبلي أو مناطقي أو فئوي أو مهني أو بناءً على التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون.

 وهذا ما استتبع  وأوجب إصدار قانون الأحزاب رقم100 القاضي بتطبيق مبدأ التعددية السياسية التي تتيح للشباب وتمنحهم الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بكل حرية وديمقراطية. ويعد ترجمة لتوجهات برنامج الإصلاح السياسي ولإغناء الحياة السياسية وتنشيطها والمشاركة في مسؤولياتها وتداول السلطة. وأيضاً هذا ما أكدته المادة 34 من الدستور السوري (لكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وينظم القانون ذلك).

وقد أعطى الدستور السوري أيضاً دوراً للشباب في ممارسة حقهم وواجبهم في الانتخاب والاستفتاء في المادة 49 منه:

(الانتخاب والاستفتاء حق للمواطنين وواجب عليهم وتنظم ممارستها بقانون)

فإشراك الجميع في بناء الوطن، وخاصة الشباب العازف عن ممارسة دوره في المرحلة الراهنة خوفاً على مستقبله، هو من أهم  الخطوات في مسيرة الإصلاح والتحول الديمقراطي، فإصدار قانون جديد للانتخابات رقم 5 لعام 2014 يحقق العدالة وتكاؤ الفرص في الفوز والنجاح لجميع الأحزاب والقوى السياسية والفعاليات الثقافية والاجتماعية التي يشكل الشباب العنصر الأساسي فيها، وهو إلى جانب قانون الأحزاب وقانون الإعلام يأتي في سياق تنفيذ الإصلاحات لتعزيز البناء الديمقراطي والحريات العامة وإشراك جميع شرائح المجتمع في إدارة مؤسسات الدولة.  ففي ظل الظروف الراهنة والمرحلة الدموية الخطيرة التي وصلت إليها الأزمة السورية التي كان الشباب فيها هم الخير الذي يطحن بين الرحى من (جرائم،وعنف وإرهاب وهجرة غير شرعية)، كان لابد من تغيير البنى القانونية الحالية واستصدار قوانين تسمح بحرية النشاط السياسي وصحافة حرة مستقلة تقوم على أسس قانونية منظمة تسود فيها لغة الحوار والحد من تدخل السلطة التنفيذية والأمنية في السلطتين التشريعية والقضائية، ونحن بحاجة إلى منظومة قانونية تكرس مبدأ المواطنة للمشاركة الواعية والفاعلة لكل شخص بصرف النظر عن اللون والدين والجنس ودون وصاية، من أجل بناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي للدولة.  وتفعيل برامج شبابية تعبر عن رأي الشباب بشفافية وصراحة للحد من تشتته وضعف تأثيره في المجتمع، والحد من محاولة القوى الإقليمية والدولية استقطابهم وشراء ولائهم، فتخسرهم الحياة السياسية الإيجابية، ويخسرهم الوطن.

العدد 1105 - 01/5/2024