حول طرح الأحداث في الدراما المحلية؟

للحرب أوجاعها المختلفة على الأفراد في حياتهم الخاصة  – كما لها وقعها على المؤسسات بكل ألوانها وأنماط عملها..

ولكن للفن أدواته المغايرة لمهن كثيرة بقدرته على ترميز الحدث بهدف الارتقاء القيمي حول المواضيع المطروحة بإضاءة إبداعية من خيال الأديب أو الراوي للعمل التلفزيوني أو المسرحي وبتجسيد الممثل الموهوب لتلك الرؤية ..

تعدد الأعمال الفنية التلفزيونية خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام كما كل عام جعل من (شهر رمضان) انه شهر لا يستقيم حلوله إلاّ بتكريس الأعمال الفنية له، وقبل تناول هذه الأعمال بنقد عارض غير متعمق، أريد القول إنه لمن المؤسف أن تكون الدراما العربية موسمية بعيدة عن حاجة السوق وعن الرسالة الثقافية والحضارية للفنون عامة والأعمال الفنية الدرامية خاصة وذلك لسهولة وصولها لكل الشرائح .

اللافت الاهم في معرض الحديث حول الدراما السورية أن تناول الحدث يستغرق بتفاصيل مللنا مشاهدتها قبلا من خلال:

– التأثر المباشر بالحدث، إن العمل يضيء للحدث السياسي السوري القائم اليوم.

– أو من خلال الواقع، معتكفين عن الاستغراق في طرح الأفكار المختلفة على لسان الشخصيات في العمل التلفزيوني الدرامي، في التنبه لعواقب الحدث وطرح إلماحات لحلول ولو على مستوى المتخيل، أو تحريك الساكن والجمود في المخيلة (للأفكار والمشاعر) وذلك بتطوير الطرح الفني للهم المجتمعي، بمقاربته للوعي الإنساني عبر الطرح المبدع الخلاق الذي ييسر على الناس تمثل هذه الافكار والانجذاب لها من خلال التماهي بشخصيات ونجوم العمل الفني.

ما أجده يكاد يكون قاسماً يجمع الاعمال الدرامية العربية على الشاشات الفضائية العديدة في بازار شهر رمضان الاستهلاكي لا الروحي، فكرتين أساسيتين

الأولى: تكريس ثقافة الصورة الاستعراضية

الثانية : تكريس العنف بأدوات مختلفة من خلال الطرح الضيق للقضايا الإشكالية في الواقع العربي حول السلطة بمعانيها العديدة (السياسية والدينية وسلطة رأس المال) هذه المعاني المتمثلة بثقافة منع الحجب عن المحظور، أي الثقافة المنفلتة لتعبيرات الجسد الجامح بتعبيراته الغرائزية البدائية بعيداً عن ثقافة الجسد المتحضرة وفق أصول الطرح التطوري، أو تكريس التطرف الفكري من خلال الطرح الغير ناضج  للمواضيع الدينية بمقاربة نفسية اجتماعية متعثرة..

إذ من الواضح أن هناك إشكالية كبيرة تتعلق بقدرة كتاب الدراما على استلهام الواقع الاجتماعي بشكل صحيح، بعيدين كل البعد عن المناقشة الشمولية للأحداث والظواهر بآثارها المختلفة على الأشخاص عبر مواقعهم الاجتماعية والطبقية والمستوى التعليمي المتدرج أيضاً، بل الاكتفاء بتقديم أعمال تلفزيونية كمشروعات وصفية جاهزة .

بعد نشوب الحرب العالمية الثانية ، نشأ فن متميز سمي بـ (المونودراما) كفن يمثل ثقافة جديدة للعصر الحديث، هذا الفن يعود إلى ظهور المدرسة النفسية التحليلية ممثلة بعالم النفس الأشهر (سيجموند فرويد) ومن تلاه، إذ ظهرت نصوص مسرحية عديدة  ساهمت في ترسيخ فن المونودراما، بالتركيز على الأمراض الشخصية والعصبية والنفسية للإنسان، انعكس هذا على خشبة المسرح، حيث يأخذ الفنان المسرحي مادته من الحياة ليضعها في نهاية الأمر بأمراضها وانفصامها ووحدانيتها على خشبة خالية تبحث عن مخلص، أو من يستمع إليها.

حين يتجسد الصراع النفسي على لسان الفنان، فهذا الصراع الداخلي النفسي يعمق الإحساس ويطور الفهم بمشاكل مشابهة لدى المتلقي .

ليكون الخلاص لكل المآزم الإنسانية مبتدأه الخلاص الفردي السابق على الخلاص المجتمعي.. من خلال عرض المفاهيم الصحيحة التي تصورها النصوص الإبداعية وفق مونولوج ثري. فكثيراً ما يعمد المبدعون متأثرين بالظروف القاسية، إلى تصوير أبطالهم كضحايا وأبطال وأفذاذ تكمن قوتهم في معتقداتهم وقناعاتهم التي يواجهون بها سلطة غاشمة وآلة تعذيب فتاكة ..

وهنا يكمن دور المبدعين من فنانين وكتاب ومثقفين، رغم أنه ووفقاً (لغرامشي) جميع البشر مثقفون، إلا أن جميع البشر لا يمارسون وظيفة المثقف في المجتمع، ويضيف: (المثقف هو أداة التراضي (العفوي) وضمانة الطاعة الشرعية للجماعة السائدة). أما الباحث العربي (هشام شرابي) فيرى أن من أبرز صفات المثقف الأساسية (الكذب الفكري).

وما زال التعويل على الفكر المبدع أن ينتصر وحده على القهر والموت، في كل الأشهر والأيام  وليس فقط في شهر رمضان.

العدد 1105 - 01/5/2024