الزواج المدني قيمة إنسانيّة

 لطالما كان الزواج المدني من أبرز النتائج التي خرجت بها الثورة الفرنسية عام 1789م، وشرع  في قانون نابليون عام 1804م ، ثم انتشر في معظم دول أوربا، وفي تركيا وتونس ارتبط باسم مصطفى كمال أتاتورك والحبيب بورقيبة. بالرغم من مرور هذه المدة الزمنية الطويلة على إقراره، إلّا أنّه في معظم عالمنا العربي لم يجد طريق الإقرار، والحجج كثيرة ومنها أنّه مخالف للشريعة الإسلاميّة بحسب البعض، ولكن في الحقيقة أنّه يستند إلى العلمانية  وهذا ما يجعل الدول العربيّة تتراجع في إقراره، لأنّ الاعتراف به يعني فصل الدين عن الدولة.

والبحث في ضروريات الزواج المدني يعطينا إيجابيات ونتائج كثيرة نستعرض البعض منها:

يتخذ إطاراً إنسانياً يتمثل بالحريّة والمساواة بين الرجل والمرأة.

الزواج سرّ مُقدّس ويجب على الدولة أن تتولاه بالتنظيم

إن تطبيق التشريعات الدينية المتعلقة بالأسرة وغيرها، يقف حجر عثرة دون تكوين الوحدة الوطنية المطلوبة لأية دولة، وإلغاء التشريعات الدينيّة تؤدي إلى تحقيق الوحدة الوطنية.

من يعتقد أنّ الزواج المدني مخالف للشريعة الإسلاميّة مُخطئ كل الخطأ، فمن شروط استمرار الزواج المدني وعدم بطلانه، أن يتبنّى العدل والمساواة بين الرجل والمرأة وعدم الإكراه في الزواج، وغيرها الكثير، وكل هذه الشروط موجودة في الشريعة الإسلاميّة، لكنها لا تُطبق عملياً بالحد الكبير، فالإجبار على الزواج هو ما يتم في عالمنا البعيد عن الحريّات وإمكانيّة اتخاذ القرارات وخاصةً بالنسبة الفتاة.

ومن ناحية أخرى فإن قوانين استمرار الزواج المدني مخالفة للقوانين التي نصّ عليها القانون الإسلامي من ناحية المساواة بين الرجل والمرأة، أي اختلاف إنساني إذا صح التعبير.

ففي قانون الزواج المدني لا يتم الزواج إلّا بقبول وموافقة وحرية الاختيار بالنسبة للطرفين، بينما اتفق علماء الشريعة الإسلاميّة  على أن الزواج لا ينعقد إلا بالإيجاب والقبول، ولا بدّ أن يكون ذلك باللفظ، أو ما يقوم مقام اللفظ، كما أنّه في الزواج المدني لا يجوز عقد الزواج بين شخصين إذا كان أحدهما مُرتبطاً بزواج قائم وإلّا كان العقد باطلاً، كما أنّه يمنع الزواج بزوجة أخرى وهذا مالا تمنعه الشريعة الإسلاميّة.

إضافة إلى أنّ القانون يمنح الزوجين حق طلب الطلاق، وهذا يخالف الشريعة الإسلاميّة التي جعلت الطلاق بيد الرجل وحده.

وتجربة الزواج المدني طُبقت في تونس ولبنان، لذا يجب الإطلاع والتعرف على تجربة هاتين تلك الدولتين والأخذ بها، وإقراره في باقي دولنا العربيّة، مع الأخذ بعين الاعتبار الأخطاء التي نتجت عنه وتداركها وتعميم التجربة، لأنّه أيضاً السبيل الوحيد لضمان حق المرأة في زواج آمن ومستقر، وهو الطريق الذي يساعد على جعل الدولة موحّدة مجتمعيّاً وإقرار العدالة والمساواة بين كل الأطراف والأطياف ونشر مفهوم الإنسانيّة والأخذ به.

العدد 1105 - 01/5/2024