المشاهير والمسؤولية المجتمعية

 يتمثل مفهوم المسؤولية المجتمعية بكونه أحد المفاهيم الحديثة التي طرحتها ثقافة المواطنة، إذ يشير إلى انسجام المؤسسات في أعمالها وأنشطتها مع توقعات المجتمع، واستجابتها لمتطلباته القانونية والأخلاقية والقيمية والبيئة، للإسهام في التّنمية الاجتماعية.

والمسؤولية المجتمعية لها شقين :

شق داخلي يتصل بالصّلات الدّاخلية لأفراد المجتمع بعضهم ببعض وفقاً لمقتضيات العيش المشترك، وتنظيم هذا العيش على أرض البلاد.

وشق خارجي يتمثل بموقع كل فرد يتيح له موقعه الاجتماعي بتمثيل بلده وقضاياه للخارج، ويمكن للتمثيل والدعم أن يكون معنوياً بتكريس الوقت والأفكار للهمّ العام، ويمكن أن يكون مادياً في تبني مشاريع اجتماعية تنموية مختلفة.. كل ذلك عبر التّأثير بتكوين صور ذهنية إيجابية حول قضايا كبرى تمس الوجود الإنساني في الفترات العصيبة المؤثرة في المصير والاستقرار لبلد ما .

ويعبر مفهوم الصّورة الذّهنية عن التّصورات التي يحملها أفراد المجتمع عن العالم من حولهم بمكوناته المختلفة، وتعد الصّورة نتاجاً طبيعياً لجميع خبرات الأفراد المباشرة، وغير المباشرة، التي يتلقونها عبر تفاعلاتهم الاتصالية المختلفة، ولا شك أن سهولة التّغير أو صعوبته يعتمد على رسوخ الصّورة الذّهنية لدى الجمهور أو عدم رسوخها.

إذ تقوم الصورة من خلال تأديتها لوظائفها النّفسية والاجتماعية بدور رئيسي في تكوين الرّأي العام وتوجيهه، باعتبارها مصدر آراء الناس واتجاهاتهم وسلوكهم.

إن الصّورة الذّهنية تميل إلى الثبات ومقاومة التّغيير، وتتعدد العوامل التي تحدد وتؤثر في كم وكيف التّغيير المحتمل في الصّورة الذّهنية، وبعض هذه المتغيرات يتعلق بالصّورة ذاتها، وبعضها الآخر يتعلق بالرّسائل الواردة من خلالها، هذه الصّور الذّهنية الإيجابية حول بث وتثبيت الاتجاهات الإيجابية للحياة، والتّحريض على نبذ العنف والتّخلف تؤتي ثمارها في بلد ما في حال تبنى العمل على نضجها وإيصالها فنان مشهور أو رجل علم أو أديب وشاعر مشهور، أو رجل سياسي، أو زعيم ديني مشهور، أو حتى لاعب رياضي، أو طبيب ذو رصيد علمي ومهني متميز، أي شخص متميز بالإخلاص لمهنته وفعالية جهوده الإنسانية وله رصيد اجتماعي..

الصورة الذهنية عملية نفسية مما يعنى أنها نتيجة لعمليات إدراكية داخلية لها أبعاد شعورية إلى جانب أبعادها المعرفية.

الصورة الذهنية تتكون وتتطور في إطار ثقافي معين، أي أنها لا تنشأ في فراغ، وإنما تتأثر بكل الظروف المحيطة بها.

إن الاتجاهات التّدميرية والمضادة للمجتمع والحضارة والميول العدوانية الموجودة عند عدد لا يستهان به من الأشخاص في بلادنا في السنوات الأخيرة التي تعيشها بلادنا، للأسف تبدو قوية لدرجة أنها تشكل العبء الثقيل للنّهوض من جديد، إن لم يجري تفعيل واستثمار الأفكار الرائدة التي تسهم في نهضة الإنسان.

وفقاً لعالم النّفس الشّهير (ايريك فروم) الذي دلل على أنه لا يمكن أن نفصل الطّريق التي نحصل بها على الأشياء عن الطريق التي نستخدمها للوصول إليها، وأن تكون علاقة الإنسان بالعالم علاقة إنسانية، إذ إن الرّغبة في الاستهلاك رغبة منفصلة عن حاجات الإنسان الحقيقية، ولكن الحاجات الإنسانية المؤسسة يلزمها الأمان قبلاً لإشباع الحاجات الأساسية، هذه الحاجة التي باتت مهددة لكل من في هذا البلد في ظل عشوائية خلل النظام الحياتي العام وتناسق أبعاده.

هناك قول يردد حول (لبنان واللبنانيين) سمعته وقرأته، والأهم أني لمسته خلال احتفالات اللبنانيين هذا الصيف في مهرجانات عديدة لإنعاش لبنان اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً بدعوات مختلفة لمشاهير لبنانيين من مختلف التخصصات يفعّل أفقها الثقافي جملة من فناني لبنان. القول: اللبنانيين أكبر من لبنان، هكذا تصبح الشّهرة صورة حضارية وتنموية وأخلاقية تمثل الإنسان والوطن.

إن الإنسان المعاصر يكاد  يفتقد الشّعور بالتّفرد والإحساس بمعنى الذّاتية، من كون الخطر الذي يهدد الإنسان اليوم، هو الخوف من أن يصبح كالآلات يتحرك دون شعور نابض بالمعاني السامية التي تطال قيمنا. والخطورة، والمؤسف أن يطال ذلك المشاهير وذوي المسؤولية من المبدعين في بلادنا في كل المجالات، أن يضعف الصوت في قضايا مصيرية كالتي تهدد بلادنا، لكون هذه الشريحة دوماً هي الومضة الذهنية لكل تغيير وتألق، فالمأمول منهم هو الرأسمال الأهم لأي تغيير إيجابي مرتجى  بما هو منتظر من مسؤوليات مجتمعية.

العدد 1105 - 01/5/2024