الأزمة اغتالت استقرار الزواج

مما لا شك فيه أن الأزمة السورية التي ما زالت نيرانها مشتعلة حتى اليوم، قد أثقلت المجتمع السوري بأزمات وكوارث لا حصر لها، مما أرهق أفراد هذا المجتمع على كل المستويات والاتجاهات صغاراً وكباراً من حيث خلخلة البنية النفسية والفكرية والاجتماعية، حتى بات المختصون الاجتماعيون والنفسيون، وكذلك القانونيون أمام مشاكل وأزمات يصعب التعامل معها  والوصول إلى نتائج شبه إيجابية على المدى المنظور.

ويعتبر الطلاق أحد أهم تجليات تلك الأزمة بكل أبعادها، إذ ارتفعت نسبته بشكل أصبح يهدد كيان الأسرة والمجتمع على حدّ سواء، باعتباره من أهم عوامل تشتت أفراد الأسرة وضياع مستقبلهم.

فقد انعكست الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية انعكاساً مرعباً على الأسرة السورية، ذلك أن الخلافات السياسية داخل الأسرة الواحدة، وأحياناً انضمام الزوج إلى الكتائب المقاتلة لدى أحد الأطراف بغض النظر عمّا سيخلّفه هذا من آثار اجتماعية وسياسية على أفراد الأسرة، مُضافاً إليها الخلافات الطائفية لأزواج من طائفتين مختلفتين، قد عملت على تعميق حدة تلك الاختلافات وصولاً إلى الطلاق، دون أن يتمعّن أولئك الأزواج بمصائر الأبناء أو حتى مصائرهم في ظل خراب طال الحياة برمتها.. وفي هذا دليل واضح على هشاشة بنيان مؤسسة الزواج في مجتمع تتحكم فيه القيم والأعراف الدينية والتقليدية أكثر بكثير مما تتحكم فيه المدنية والتفكير العقلاني الذي تتطلبه الظروف والأزمات التي يُعانيها المجتمع.

كما لا يمكننا إغفال ما للأوضاع الاقتصادية السيئة، بل والمريرة التي يعايشها معظم السوريين، إضافة إلى البطالة التي أرخت بظلالها وثقلها على الأزواج من الجنسين والذين لم يعد بإمكانهم القيام بمسؤولياتهم المنوطة بهم في تلبية احتياجات الأسرة، مما انعكس على العلاقة الزوجية مشاكل وخلافات قادت أحد الطرفين لاختيار الطلاق سبيلاً للتخفّف من أعباء تلك المسؤوليات دون التأمل ولو لبرهة بما سيصيب الطرف الآخر والأولاد بعد قرار جائر..

وهذا ما يتطلب من العاملين في مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك من المختصين النفسيين والاجتماعيين القيام بدراسات شاملة ومعمّقة للأسباب والنتائج المترتبة على ارتفاع نسب الطلاق، من أجل الاستفادة ومحاولة الحدّ من ظاهرة الطلاق، لأنه بالفعل يهدم كيان المجتمع مثلما يهدم كيان الأسرة وأفرادها.

العدد 1105 - 01/5/2024