لننسَ الأجناس ونتشارك بصفتنا بشراً!

لم يعِ البشر الفارق الكبير بين الجنسين في بداية تكوين البشرية، ومع تقدم اكتشاف كلا النوعين أحدهما للآخر بدا واضحاً الفارق القطعي في التكوين لكلٍّ منهما، وباتت الحياة تتطور تبعاً لهذا الاكتشاف، واعتبر القاعدة الكبرى لسير الحياة البشرية، وجاء قانون الطبيعة وتلته الأعراف لتودي بالجميع إلى تعزيز تلك الفوارق بين الذكر والأنثى، وصيغت اعتبارات الأنثى على أنها الكائن الأضعف.

وقَدمنا إلى زمننا هذا لتصبح الأنثى الكائن المعيب نوعاً ما في كلّ ما يتصرف (نتحدث في نطاق العالم العربي والإسلامي) فكلّ ما تفصح فيه الأنثى يُعتبر عورة! وأمست كلّ مخالطات المرأة مع الرجال (الأغراب) معيبة ومحرّمة.

وسمت ذاك العصر الكثير من التعقيدات البيئية والفكرية والعقائدية، إلى أن شرعت بالتفكك والانحلال مع تقدّم الأزمان وتطوّر الحضارات، وباتت المرأة تدافع عن حقوقها بثورات فكرية على مستوى المجتمع إلى أن اعتُرِف لها بأشياء كثيرة.

وأصبحت المرأة تتعلم مثل الذكر وتعمل وتشارك في معظم النشاطات التي كانت محظورة عليها في الزمن المتخلف حتى في الحقوق السياسية مثل الانتخاب والتصويت..وتبعاً لذلك أضحى من الطبيعي أن يحدث الاحتكاك المباشر بين المرأة والرجل في شتّى المناسبات. وعليه نتجت الصداقة بين الطرفين وأصبح التواصل بينهما هو الحال الطبيعي نسبة للاختلاط المفترض..

لكن السؤال ما معنى الصداقة المختلطة؟ وهل بإمكان الصداقة أن تعمّر دون مشاعر حبّ؟

لم يتفق مجتمعياً على تحديد جواب محدد لهذا الطرح، لكن الأكيد أنّ هنالك صداقات مختلطة بين الجنسين قد تصل إلى حدّ الأخوّة، لأنها تحمل قدراً كبيراً من الثقة والحبّ اللطيف البعيد عن العشق، فالجملة التي مازلنا نسمعها إلى اليوم (ربّ أخٍ لم تلده أمك) ليست إلا تأكيداً لما عنيناه منذ قليل أن ثمّة أصدقاء تتأرجح بهم الأيام لترميهم في حياتنا، فتنغمس جذورهم في قلوبنا ويثبتوا فيها ليكونوا أكثر من إخوان لنا، يشاركوننا أجمل لحظاتنا وأسوأها ذكوراً كانوا أم إناثاً، فمن المعيب اليوم الأخذ بهذا التفريق، وهذا لا ينفي أن بعض البيئات مازالت تنتقد هذا النوع من التواصل المختلط نسبة للأعراف والتقاليد الناشئة عليها.

ومن الجدير بالذكر أنه ليس بالضرورة أن يكون القصد من تلك الصداقة التخلص إلى الزواج أو العشق في الحبّ، وربما  لا تتطور العلاقة أصلاً إلى صداقة حميمة بل يكتفى بصيغة الزمالة من خلال العمل أو المدرسة أو الجامعات أو أي وسط مختلط آخر، وهذا كافٍ ليكون جواباً للسؤال السابق، فالحضارات المثقفة اليوم تنبذ تلك الطريقة الرجعية في التفكير وتوحي بالانفتاح في التعامل بين الناس، والتأكيد على طبيعية الاحتكاك المشترك بين الرجل والمرأة، فهي عملت بنسيان الأجناس وتشاركت فقط على أنهم بشر!

العدد 1105 - 01/5/2024