صداقة الرجل من منظور المرأة

تنطلق المرأة العصرية في رحلة حياتها المتنوعة لإقامة علاقة متميّزة مع الرجل تتسم بالصداقة الحقيقية البعيدة عن التشوّهات المتوارثة عن العلاقة بين الجنسين، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن علاقة الصداقة البريئة ذات فضاء أرحب، ويمكن أن تقوم مع أكثر من شخص في وقت واحد، بينما العلاقة العاطفية تقتصر على شخص بعينه.

وتفتخر المرأة بتلك الصداقة من منطلق أنها تُعزز نظرتها إلى ذاتها، وثقتها بنفسها وبالرجل عبر مقومات تلك العلاقة وما يرافقها من مشاعر المودة والاحترام القائم على أساس المساواة والتقدير المتبادلين، إضافة إلى ما يمكن أن تضيفه هذه الصداقة إلى رصيد الطرفين من معارف وثقافة ترفد شخصية كلّ منهما وتعمّق مداركها.كثيرات هنَّ اللواتي يُفضّلن صداقة الجنس الآخر، لما فيها من قوّة وعمق بعيدين عن روح المنافسة التي تعترض صداقة الجنس الواحد بالنسبة للطرفين.

غير أن البعض – وحتى لا أكون متحيّزة- من الطرفين لا يرون في تلك العلاقة سوى مشاعر وعواطف بعيدة عن مرامي الصداقة، وينظر بعض الرجال إلى المرأة على أنها لا يمكن أن تكون سوى حبيبة أو عشيقة بكل ما تحمله هذه الصفة من معانٍ وأبعاد، وبذلك يقتصر التعامل معها على العواطف والغزل وما شابه. وهذا بحدّ ذاته يتعب المرأة لأنها لا تكون قد أعطت العلاقة هذا البعد، وأيضاً لا توّد أن يُنظر إليها وإلى العلاقة من هذا المنظار.

باحت لي بسرّها وهي غاضبة من مفاهيم وقناعات راسخة في أذهان الكثير من الرجال، رغم أنهم يتسمون بالوعي والثقافة ويحملون أفكاراً تدّعي التحرر والمساواة، ويؤمنون بالصداقة بين الجنسين.

قالت: بعد لقاءات متكررة في مناسبات وأنشطة تلائم اهتماماتنا، ورسائل متبادلة عبر البريد الإلكتروني تبادلنا فيها الآراء في القضايا الفكرية والسياسية المعاصرة، بحكم أننا ننتمي إلى فكر واحد، كنتُ أفرح بتلك الآراء والطروحات التي نناقشها، لاسيما أنه ذو خبرة طويلة بهذه القضايا، وذو ثقافة رفيعة المستوى تشمل قضايا فكرنا كافة، إذ كنتُ ألجأ إليه للاستفسار عن بعض المسائل العالقة والغائبة عني، كما كان يحبّذ سماع رأيي في موضوعات ومقالات يكتبها في الصحافة السياسية، فنتناقش بمجمل هذه الأمور بمنتهى الجدية والمنطق، يقبل رأيي وانتقاداتي بكل رحابة صدر واحترام.وتابعت متألمةً: كم كنتُ سعيدة بهذه العلاقة والصداقة التي جمعتنا في إطار فكري خلاّق، ثمّ أردفت والدموع تُبرقُ في عينيها: غير أني صُعقت عندما سألني مرّة: هل ستظلين على هذه الجديّة والصرامة في علاقتنا…؟ ألا تودين لو نخرج من عباءة الفكر والسياسة ونعيش وقتاً يكون لنا وحدنا، نتبادل فيه الغزل والفرح…؟

عندئذ، ولشدّة المفاجأة تلعثمتُ ولم أعرف كيف أصوغ الكلمات، لاسيما أنني لم أشعر يوماً نحوه بشعور آخر كما يظن، فآثرت الصمت وغرقت في بحر من الدهشة والتساؤلات التي عصفت بذهني لحظتئذ، وحين صحوت من صدمتي تساءلت:

لماذا لا يمكن لهذه الصداقة أن تستمر على ما هي عليه من ألق واحترام وعطاء بعيداً عن أيّ شيء يعكرها ويشوّش على رقيّها؟ لماذا لا يمكننا أن نبقى في إطار صداقة فكرية ثقافية تمنحنا القوة والثقة بما نحمله من قناعات ورؤى؟ ثمّ، لماذا يجب أن تخضع أية صداقة بين الجنسين لمعايير نمطية تقليدية وفق المنظور السائد؟ ألا يمكنها أن تصمد وتستمر بعيداً عن هذه الأمور لتسمو بنا ونسمو بها؟

قلتُ لها: معك حق في كل ما قلتِ، لكن بالتأكيد لا يمكن لحالتك أن تكون قاعدة عامة للقياس، فهناك الكثير من الصداقات بين الجنسين قائمة لأجل الصداقة وحدها ولا شيء سواها.

أجابت: ربما، ولكنها للأسف تبقى حالات استثنائية قياساً لما هو سائد.

العدد 1104 - 24/4/2024