ثروة برسم البيع !

غرق الشباب في تلك الدمعة التي لم تنفد من مآقي الأمهات، فبعد ما كنّا القارة الأكثر ازدهاراً بالشباب، بتنا الأكثر فقراً بهم..

لقد فرطوا بهم!

رموا زهرة عمرهم، لتلك المواشي، تأكلها.. وحفروا لهم بالقذائف والهاون، قبوراً بين الجثث، ودمّروا كلّ ما تبقى من حياة!

قطفوا البرعم من أعينهم ورموه في البحر…كيف للشباب أن يعيش بطمأنينة والركام في كلّ مكان حوله، والأشلاء أكثر من الدمع المنهمر..، وتلك الجثث تناديه، ليكون واحدة منها، كيف له أن يبقى في حضن الوطن والحضن صار بارداً!

فُتَحت صدور الأغراب لهم، وركضوا بحاجة أمان..!!

فرُقع الأوطان التي لم تتلطخ بالدم بعد، لم تتسع لهم.. ضاقت بهم…فهاك الخيار، إما التفرج على حياتك منتظراً موتها بين أيدي الجبهات العسكرية التي لم تعرف كيف تأخذ نَفَساً بعد، وإما أن تُطرد من آخر أمل لك في القوت الوظيفي الشهري!

فلم تشدّهم يد الوطن وما استطاعت البنية التحتية للبلد تقطيب انكساراتهم النفسية، ولم تقوَ على على جبر ما قد تمزّق من الحياة في قلوبهم!

لن تستطيع بناء العمارات التي هُدمت في ذاكرتهم، ولا إصلاح الصدع الذي عرّش في نفوسهم!

لن يكون عندها القدرة على إسكات جوعهم وفقرهم الداخلي بالوطنية.

أين أنتم عنّا نحن الشباب الذي افتعل الغرب ما افتعله لاهثاً لاستثمارنا؟؟

أينكم عن دمائنا التي فاحت كوابيسها في كل زراديب الرأس السوري فقد جُلنا اليوم أرجاء العالم بحثاً عن سلام.. فكيف لنا ذلك؟

يا ترى، هل بإمكاننا الحصول عليه في ظلّ هذا المرض الذي ينتشر بكل اتجاهات العالم، ألا وهو الحرب!

كيف لنا أن نصنع مضاداً للحروب، ومضادات الصواريخ تتبعثر في أرجاء الدول، خوفاً من الغدر..؟

كيف لنا أن نقذف بالأسلحة بعيداً والمستودعات تغصّ بها!

كيف سيأتي السلام دون أن يخاف رصاصة طائشة تأكل رأسه؟!

تُرى ما كان يجب على مناهجنا أن تُدرّس كيف يكون العرب أكثر ذكاءً وحرصاً؟

ثم أنّ كيف للجيل أن لا يكون حاقداً ودروس التاريخ تمتلئ بالانكسارات العربية والخيانات والمقايضات الخسيسة!

كيف لنا أن نتكلم عن الحرية ونحن مسجونون بقفص الجهل الفكري، أن نصنع غداً مشرقاً من حاضرٍ تفتّقت العتمة عنه!

كيف لجيلٍ تربّى بقاع دمّ، أن يمارس مستقبلاً يتزين بالطمأنينة؟!.

أسئلة معلّقة، وحلم بمستقبل قادم، سيفلح الشّباب المعروضون برسم البيع فيه، بشقّ الصخر، حتى تبان تلك الفسحة الكبيرة من الأمل..

سيعبرون على ذاك الجسر المليء بالشظايا حتى يصلوا إلى ضفة، علّها تحمل في طياتها شيئاً من السلام..

العدد 1105 - 01/5/2024