إلى أين العبور..؟

وألف صباحٍ حزين.. وما تراجَعتْ قوافل القهر، ولا ارتوت جِرارُ الحقد، وما توقف النزيف..؟

أيها الصباح المثقل بالوجع.. رائحة الموت تغطي أمنيات الحالمين برجفة حياة ليس أكثر، وامرأة وسط زحام النداءات، شدّوا عن رأسها وشاحها الأبيض فتناثرت جدائلها عارية.. والزحام يفور كضلعٍ سائب امتشق حواء النقيّة من سدّة انتصار، وزرعها في صدر المكان.. ها هي ذي تلوّح بيدها، تبكي.. تستجير.. تنادي.. تعال.. تعال.؟ وكل الجهات خرساء.

أيتها ال أنتِ الأخرى التائهة في وهم عبور إليّ.. كل العيون تراكِ، تتابع فصول موتك اليوميّ، والسوس ينخر عصا سليمان. وهذه التائهة، ساقطة في قاع هزيمة، تلوّح أيضاً.. تحمل وهي تلفظ أنفاسها شفرة غدرٍ تواصل ذبح الفضيلة، وتعبر غابة من اللاهثين إليّ، تضيّعني بين أرتال من المتعلّقين على ذات الوهم.. من كان، ومن أتى، ومن سيأتي.. عصابات من المراهقين لا يروون شبق الرغبات المحمومة.. سراب هم. أقزام هم أمام تحليق النوارس.

من قال لك ضعيني هناك.؟ من قال لك.؟ وهل منّي رعشة محاولة؟

لو صَرَختْ إصبعي بك لقطعتها.. لو رجفت عيني فقأتها.. لو خفق قلبي بنبضة تسافر إليكِ لألقيت به في وديان الموت.. هو الخلاص منك، من وهمك وقيدك وجنونك، من رائحة عفنة تركت عشرات الجيف المسعورة على مفاصلك أثرها، وها هي ذي تطفو فوق نداءاتك.. من حلفٍ بين شيطان وشيطان يمارسان بالرعشات المفقودة، والعرض الرخيص، كل الزيف وصنوف الخيانات.

آه يا وطني.. يا أنا المذبوح بين شيطانين، بين هنا وهناك.. بين هذه وتلك.. بين امرأة وامرأة.. هل تُراني بلغت الجنون كي أحاول؟

ليته الموت قبل أن أفعل.

من أنتِ؟ وتجترّين من قاع الخيانة كل رخيص. تتحالفين مع شيطان، وشيطان ، وشيطانة.. وتتدلى أغصان اللغة المبتذلة لتزيّن لوحة للعرض.. للعرض ليس أكثر.

من أنتِ؟ ومن هذا الذي يحاول؟ ومن هم أولئك الفرسان الذين تدَّعين؟

هم مثل وهمك يتعلقون بوحشة المجهول، ولا يعرفون حقيقة من تكوني.! أيتها الواهمة.. يوم غادرتُكِ، بدأ صباحي الجميل، وبدأتُ حياتي.. يوم غادرتُكِ سفحتُ ورائي كل قوارير عطرك، فقد أزكمتني ريحها.. إلى من تلوّحين؟ تراها تلويحات وداع؟ أم هي آخر خلجات الروح؟

على من تنادين أيتها المذبوحة؟ أنا؟ هو؟ هم؟ هي.؟ هذا القريب، أم ذاك البعيد؟

ويطلّ صباح جديد.. يطلع من قلب التراب طيف امرأة من وطني، بياضها مثل نقاء الفجر، عطرها يأخذني إلى جنّات الأمان.. كل الجهات تتابع وتسمع وتشاهد، هي أرقام أضحت لا تضيف، لا حرف استفهام، ولا عكّاز سؤال على ساحة فنجان قهوتنا الصباحي!

أنا هنا، أسمعكِ.. أراكِ، يدك المغموسة بلون أحمر قان تكاد تلطمني.. كيف آتيك وكل الحدود حواجز، وكل المعابر أسلاك؟

أيتها المقهورة.. هل تنزفين مثلي؟

ربما تضيف نداءاتك الضاجّة، وتلويحاتك الضائعة الجهات إلى موسوعة عجزنا نقاط عار جديدة.. وحولك، حولك مثل سوار عروس ألف ألف معتصم.. دلّيهم كيف يعبرون إليك؟

تنادين أيتها المذبوحة؟

على من؟ على من؟

وهل تراك تصمدين؟

إلى متى تصمدين يا أشجار رفح؟

العدد 1104 - 24/4/2024