حـب العودة

 تعرفت على الرفيق يوسف الفيصل عام،1969 إذ حضر هو والرفيق فايز جلاحج للإشراف على مؤتمر عقده الشيوعيون الفلسطينيون، في بيتي، وكانت المهمة الأساسية لهذا المؤتمر:انتخاب مندوب للمؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوري.

تحدث الرفيق يوسف عن الأوضاع السياسية، الداخلية، والعربية، والدولية. تناول القسم الأكبر من حديثه، القضية الفلسطينية، وأهمية مساندة الشعب الفلسطيني، لنيل حقوقه المشروعة. وبين أن الحزب الشيوعي السوري كان منذ تأسيسه، حتى اليوم ضد الصهيونية، والإمبريالية، والرجعية العربية.

قال الرفيق يوسف: إن الحلقة الأساسية في نضالكم أيها الرفاق الفلسطينيون، هي غرس حب العودة، وتنميتها، بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين.

لمست خلال عملي تحت إشرافه، عمق صلاته، ومدى تأثيره على كثير من القوى الفاعلة في المنظمات الفلسطينية، ومن ضمنها الهيئة العربية العليا، التي كان يرأسها الحاج أمين الحسيني.

اجتمعت قوى وأحزاب حركة التحرر الوطني العربية، في مكتب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأقر المجتمعون توجيه برقية احتجاج للقيادة السوفيتية، على هجرة اليهود السوفيت، وقرروا تسليمها للسفير السوفيتي في دمشق. وافق المجتمعون بالإجماع، على اقتراحي بأن يكون الرفيق يوسف الفيصل من ضمن الوفد، فلم يوافقوا فحسب بل أصروا على أن يكون رئيساً للوفد، وقالوا نحن ننتظر جواباً منك على موافقته، وعدت إلى المكتب وأخبرت الرفيق يوسف بما جرى، فاتصل مباشرة بالرفيق مسؤول الجبهة الشعبية وأخبره بموافقته على الاقتراح.

تشكلت مني ومن الرفيق سعد عزوني، فرقة أصبحت فيما بعد نواةً للجنة التنظيم الفلسطيني للحزب الشيوعي السوري.

كان الرفيق يوسف الفيصل يقود تلك الفرقة وفقاً لخطة عمل تضمنت المواضيع السياسية، والثقافية، والمالية، والمطبوعات، وكان شخصياً يحضر لنا حصتنا من جريدة الحزب (نضال الشعب).

وعندما أصدرت لجنة التنظيم الفلسطيني جريدة (عائدون)، ثم جريدة (طريق العودة)، كان الرفيق يوسف يثني على مايتجاوب منها مع شعار حق العودة وتقرير المصير.

وكان يحضر لنا كل الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي تبحث في مؤتمرات ولقاءات الأحزاب العربية.

 

من صفات التواضع عنده

(ذكرى عمل طويل مشترك بخدمة الشعب والوطن)

بهذه العبارة ذيّل صورته التي أهدانيها، وقلم حبر، في5/1/،1999 وكنت قد أنهيت تفرغي في العمل بمكاتب الحزب، بعد فترة عمل طويلة.

إنه على رأس قيادة الحزب الشيوعي السوري، وحائز على وسام ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، والتقى بعشرات القادة الشيوعيين في العالم، وحضر الكثير من مؤتمرات الأحزاب الشيوعية في العالم، ويقضي كل أوقاته في خدمة سورية الحبيبة، ويأتي متواضعاً ليقول لي: إني وإياه قمنا بعمل طويل ومشترك بخدمة الشعب والوطن.

كان الرفيق أبو خلدون إذا أراد تكليف أحد الرفاق العاملين في المكتب، بعمل يقوم من غرفته ويذهب إلى ذلك الرفيق ويقول له: شرّفْ لعندي ويجلسه معه في غرفته ويكلفه بما يريد.، ولايكلف هذا الرفيق بمناداة رفيق آخر بل يذهب هو شخصياً إليه.

كان يصغي إلى نكات يطرحها بعض الرفاق العاملين، ويضحك ثم يلقي هو نكتة أو أكثر، ولايتهيب إطلاقاً، في سرد أحدث النكات عن أهل حمص، وهو ابن مدينة حمص.

ماذكرته هو غيض من فيض من صفات التواضع عنده.

 

الروح العملية عنده

لن أغوص طويلاً في الحديث عن جلده في العمل، إذ كان يقال له : (إن أخطر عقوبة، يمكن أن يعاقبك بها الأعداء هي منعك من العمل).

تحضيراً لاجتماعات اللجنة المركزية، أو لمؤتمرات الحزب، كان يقضي وقتاً طويلاً في إعداد الوثائق اللازمة.وبعد انشقاق رياض الترك أصبح بيته مكتباً للحزب، وإن العمل الذي كنت أقوم به كان يفرض عليّ التردد إلى بيته، في الليل والنهار، وفي أحيان كثيرة كنت أصل إلى بيته في الخامسة والنصف أو السادسة صباحاً، وأراه مازال في لباسه الرسمي، فيقول لي: يعطيك العافية يارفيق، اجلس لنشرب القهوة معاً، ويصر على صنعها هو. وعندما أودعه يقول: هل يمكن أن تأتي في العاشرة؟ وعندما أحضر أجد بيته مملوءاً بالرفاق، وبعضهم يخرج ويأتي آخر من جديد، ويستمر هذا الحال طوال النهار.

 

الوفاء بعض سجاياه

سألني ذات مرة، من ستنتخب في المؤتمر؟ قلت له سأنتخب من تريد، ولكنني لن أنتخب الرفيقين يوسف نمر، ومراد يوسف. فقال :هذا خطأ أيها الرفيق، إنهما قائدان شيوعيان، وقد توحدنا معاً وهذا يحتم أن نفي بوعودنا وتعهداتنا، ومن هنا يجب العمل على إنجاحهما.

كان يعرف أن عدداً من الرفاق، من مختلف المستويات، يهاجمونه شخصياً، ولكنه كان يعاملهم بأحسن ما يكون، فعلى سبيل المثال كنت أسير وإياه بالقرب من مكتب الحزب، فرأينا رفيقاً آتياً، وكاد هذا الرفيق أن يتجاوزنا، فقال له أبو خلدون: مرحباً يارفيق أبو.. لماذا لاتسلم؟ فخجل وعاد أدراجه وسلم علينا بحرارة كبيرة.

قاد الرفيق أبو جنكو معركة شرسة، ضد الرفيق يوسف الفيصل، وكانت هذه المعركة معروفة لدى جميع الرفاق، وكان الرفيق أبو خلدون يعامله بلطف ويسوي له ربطة عنقه، وعندما توفيت زوجة الرفيق أبي جنكو، طلب مني الرفيق أبو خلدون أن أرافقه للذهاب إلى بيت أبي جنكو لتعزيته.

لم يطلب منه أحد مساعدة، في قضية شخصية أو حزبية إلا عمل على حل هذه القضية.

وأخيراً ماذكرته في هذه العجالة، هو بعض قبسات من حزمة أنوار كبيرة أضاءت الطريق أمام الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم، وأعتقد أن مجلدات لاتفي بحقك.

ستبقى ذكراك العطرة، مثالاً يحتذى لكل المناضلين، وسيبقى حزبك مستمراً في خدمة قضايا الكادحين والمنتجين.

العدد 1104 - 24/4/2024