اتحاد الاختلاف

تبدو الأحياء والأشياء من حولنا لوهلة قصيرة أنها كاملة وكقطعة واحدة، إلا أنها في حقيقة الأمر لم تكتمل وتكبر إلا بعد أن جمعت في داخلها اأشياء وأحياء صغيرة غير متشابهة أو متساوية.

فالأشجار العالية تحملها جذور امتدت عميقاً في أسفل وباطن الأرض، والجذر يختلف عن الغصن، والورقة غير الثمرة، والثمرة غير البذرة، إنما لا يمكن لأية شجرة أن تصبح شجرة كاملة من غير أن تضم تلك العناصر الصغيرة.

كذلك هي الجبال، المكونة من حصى وتراب وقطع من الصخور والطين، والبحر لا يسمى بحراً إلا إذا صبت فيه السواقي والأنهار، وجمع في أحشائه السمك الصغير والحيتان العملاقة.

وهل يكتمل وجه الإنسان إذا كان فيه أنف أو عين واحدة، أو حاجب يتيم، أم أن الاكتمال عليه أن يجمع داخل الوجه وفوقه عينان وأذنان وحاجبان وشفتان.

إن أي شيء في الحياة لا يصبح مكتملاً إلا إذا جمع فيه الاختلاف والتناقض.

ولا يولد البرق إلا بتصادم الغيوم الباردة مع الحارة، ولا يتوهج الفحم الأسود إلا بمرور النار من تحته.

وقد تثور البراكين وفوق قممها ثلوج كثيرة.

ولا تقوى الحلقة وتصبح جنزيراً إلا إذا ضمّت إلى جانبها حلقات أخرى، ولا الأصابع تكون فاعلة إذا لم تحتضنها الأكف، والعواصف لا تقتلع إلا إذا ساعدتها الرمال الناعمة والحصى الخفيف اللذين يغلفانها ويجعلان لها مخالب وأنياب.

دائماً لا بد من وجود شيء ما يكمل ما هو مختلف عنه، وذلك بانصهاره واندماجه معه وذوبانه فيه، فالجسد لا يمكنه الطيران من غير جناحين، والوجه لا يرى من دون عينين.

وباتحاد العناصر المختلفة يوجد الاكتمال، فالفولاذ الموضوع في هياكل القصور وأسوار القلاع سيبقى دون فائدة إذا لم نضف إليه الأسمنت الطري والحجارة الصغيرة، بهما يقوى ويستمر، ويصمد في وجه الأعاصير والعواصف.

إن غيمة واحدة لا تصنع شتاء، وزهرة يتيمة لا تكوّن حديقة، ومنزل وحيد لا يصنع قرية أو مدينة، وكلمة لا تصنع رواية ولا قصيدة.

هنالك اجتماع ما كي تتم الأمور وتكتمل، اجتماع الصغار مع الكبير. واتحاد الضعيف مع القوي، والخفيف مع الثقيل، والصلب مع اللين، والقسوة مع الرحمة، والنار مع الثلوج كي يولد البرق والحكمة مع الحزم كي يعمَّ العدل، والنور مع العين كي توجد الرؤية، والرؤية مع الوعي كي تولد البصيرة، والنمل الضعيف إذا اجتمع على أفعى جريحة أنهكها وقضى عليها، (فكل قوة ضعيفة ما لم تكن موحدة، وليست المعجزات إلا وليدة الرجال المتحدين).

العدد 1104 - 24/4/2024