معاً لمكافحة عمل الأطفال

 تُعتبر الطفولة من أهم مراحل الإنسان على الإطلاق، بسمة بريئة، وقلب أبيض لا يحمل إلاّ الحب والحنان، الطفولة هي صفاء الحياة، فلا يشغل بال الطفل في هذه المرحلة سوى اللعب. ولكن لابدّ من وجود منغصات يُعانيها بعض الأطفال في هذه المرحلة، ولعلّ أهمها مشكلة العمالة التي تجتاح معظم البلاد، فهنا تجد طفلاً يبيع خبزاً، وهناك طفلٌ ينظف زجاج سيارة، وآخر يعمل في ورشة للحدادة أو النّجارة، لكنّ هذا أمر غير مقبول بتاتاً، لأنّ هؤلاء الأطفال مكانهم الأساسي هو المدرسة وليس الشّارع أو الورشة.

وعلى الرّغم من تأكيد المواثيق والقوانين الدولية على حق الطفل في الحماية من جميع أنواع الاستغلال الاقتصادي أو أداء الأعمال الخطيرة، إلّا أنّنا لاحظنا في السّنوات الأخيرة تفشّياً لهذه الظاهرة، فقد تبيّن في دراسةٍ لمنظّمة العمل الدولية عام 2015 أعدّت بمناسبة اليوم العالميّ لمكافحة عمالة الأطفال، الذي يصادف الثّاني عشر من حزيران من كلّ عام، أنّ هناك 20 مليون طفلٍ عاملٍ في العالم ممّن تتراوح أعمارهم بين 5-14 عاماً، والنسبة الكبيرة من هؤلاء الأطفال من الدّول الفقيرة لاسيما الدول التي تعيش حروباً ونزاعاتٍ، فما هي حصّة أطفال سورية من ذلك؟

في سورية حتى الآن لا توجد إحصائيّةٌ دقيقة عن عمالة الأطفال، ذلك أنّ الأزمة السورية جعلت هذه الظاهرة تتفشى وتنتشر سواء داخل سورية أم في بلدان النّزوح، ولا بدّ أنّها بلغتْ أرقاماً مخيفةً بسبب الحرب الدّائرة منذ أكثر من خمس سنوات، كذلك فإن عدّة أمور تعتبر(وليدة الأزمة) ساعدتْ على اِنتشار عمل الأطفال في سورية لعلّ أهمّها:

– الفقر وتدنّي المستوى المعيشي، خاصة في ظلّ الظروف المريرة التي تعيشها معظم العائلات السورية التي فقدت معيلها، مما دفع أطفالها للانخراط في سوق العمل لتأمين قوت العائلة اليومي.

-الدّمارُ الذي لحق بالمدارس في معظم المحافظات السورية، والذي أدى إلى حرمان الكثير من الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم الإلزامي والمجاني ومن ثم التحاقهم بأحد الأعمال.

-الأسلوب الذي تتّبعه بعض المدارس والمعلمين له أثرٌ كبيرٌ في عدم حب الطفل للمدرسة أو الدراسة، إمّا بسبب الخوف من المعلمين أو لعدم القدرة على التحصيل الدراسي، وخاصة عندما نرى أن نسبة تسرب الأطفال في سورية قد تجاوز 45% فإن هذا الأمر يستدعي إعادة النظر في أساليبنا التربوية المتبعة وفي مناهجنا.

ولكنّ السّؤال الذي يطرح: هل لعمالة الأطفال هذا الأثر السلبي الكبير الذي يجعلنا نسنّ القوانين لمنعها؟ والجواب يكون طبعاً: نعم، لأنّ عمل الأطفال يؤثّر فيهم ومن نواح عدّة:

فمن النّاحية النّفسية فإنّ الطّفل العامل يفقد ثقته بنفسه وبالآخرين وينعدم احترامه لذاته.

ومن النّاحية الأخلاقية الطفل العامل يتأثّر أخلاقياً بالمكان الذي يعمل فيه فيكتسب بعض السلوكيات والعادات الخاطئة وربّما الألفاظ النّابية.

ومن الناحية الصّحية، نجد أن صحّة الطفل العامل تتدهور نتيجة التّعنيف الجسدي الذي يتلقّاه من ربِّ العمل، أو بسبب عدم دراية الطفل بأخطار الموادّ المستخدمة في العمل، مما يعرّضه للحروق أو الاختناق بسبب استنشاق الغازات السامة، إضافةً إلى الجروح والكسور التي قد يتعرض لها بسبب بنيته الهشّة.

وفي النّهاية، لا نستطيع أن ننكر أن الأزمة في بلادنا قدْ أرختْ بظلالها على واقع الطّفولة السورية بشكلٍ كبيرٍ، فولِدتْ مشكلاتٌ جديدةٌ، وتعمّقتْ مشكلاتٌ سابقةٌ، ممّا يستدعي وِقفةً جدّيّةً وحازمةً لوضعِ النّقاط على الحروفِ من أجل رسم مستقبلٍ أفضل لأطفالنا، وإعادة الضحكة إلى وجوههم لأنّها- كما قال الشّاعر بدويّ الجبل عنها- إِذا غَرَّدَتْ فيْ ظَامِئِ الرَّمْلِ أَعْشَبَا!

تهاني زهير شنشو

العدد 1105 - 01/5/2024