التعليم الجامعي.. ما بين الأكاديمية والتجارة

 يُعتبر التعليم وإعداد الأجيال من المهام الإنسانية النبيلة التي تستدعي جهداً ومصداقية عالية، باعتبار مخرجات هذا التعليم على كل مستوياتها وتخصصاتها هي من سيعمل على بناء الإنسان والحياة والمجتمع، وبالتالي الارتقاء بالدول تطوراً وحضارة.  لكن اللافت للانتباه والمثير للاستغراب في آنٍ معاً، أنه قد سادت منذ عقود أساليب وطرائق تعليم غير علمية سواء في التعليم ما قبل الجامعي، أو الجامعي على وجه الخصوص، وإن كانت بمستويات أقل سلبية عمّا هو حاصل خلال سنوات الحرب الدائرة بما فرضته من فوضى واضطراب على مختلف الصعُد، إضافة إلى هجرة الكفاءات والكوادر المتميّزة في الهيئات التدريسية عموماً، ما أدى إلى اتباع أساليب ووسائل تدريسية لا يمكن وصفها، إن كان من قبل بعض الأكاديميين المدرسين، أو من قبل الطلاب أنفسهم.

فمن المخجل أن نضطر للقول إن التعليم في سورية بمختلف مستوياته ومنذ خصخصة التعليم بات تجارة رابحة لمن استقال ضميرهم الإنساني ولم يعد يهمهم مستقبل الأفراد أو البلاد إلاّ بقدر ما يجنونه من أرباح تُضاف إلى أرباحهم من تجارات أخرى لا تقل مأساوية. فقد تلاشى الكتاب الجامعي أمام النوتة التي تختزل ما بين دفتيها إلى معلومات قد تكون مكثّفة، لكنها غير كافية للطالب كي تتكون لديه الأسس المعرفية والعلمية بالمادة التي يدرسها، حتى أصبحت هذه النوتة أمراً مفروضاً على الطالب اقتناؤها لاسيما قُبيل الامتحانات، وإلاّ..؟ كما أنها باتت عبئاً مادياً ثقيلاً على الأهل يُضاف إلى الأعباء الأخرى غير المنتهية.

وليت الأمر يقف عند هذا الحدّ، بل تجاوزه إلى الأخطر، وهو المتاجرة بحلقات البحث ومشاريع التخرّج الجاهزة وبيعها لطلبة الجامعات الذين لا يمتلكون المهارات الكافية لإعدادها، أو الذين يملكون المال ولا يريدون إجهاد أنفسهم في التحضير وإعداد حلقات البحث ومشاريع التخرّج التي تحتاج جهداً نفسياً وعلمياً سيرتقي لا محالة بفكر الطالب وتحصيله العلمي، فقد تخصصت مكتبات علنية بهذا الشأن وعلى مرأى من المعنيين بالأمر، ولم يتخذ أيُّ إجراء من شأنه أن يُعيد للتعليم الجامعي هيبته ورقيّه ومكانته اللائقة في المجتمع.  

العدد 1105 - 01/5/2024