تدهورٌ اقتصاديّ وشباب بلا أمل!

 صبّت الأزمة السورية أحمالها الثقيلة على الفئات الفقيرة، التي تكافح لنضمن حق العيش، وهمّها الوحيد أن تنام دون أن يكون أحد أفراد أسرتها جائع!…كل سنة يكبر فيها عمر الأزمة، تطول أذرع أخطبوطها، فتزيد الالتفاف على أعناق الشعب، محاولة خنقه أكثر فأكثر..

ويكشّر تجار الأزمة عن أنيابهم، يفترسون كل طاقات الشباب على التحمّل، محتكرين كل ما قد يساهم في الاستقرار النفسي والمعيشي! وأشار مصدر مطلع إلى أنّ سبب تدنّي القدرة الشرائية ليس إلاّ نتيجة ارتفاع الأسعار مقارنة بدخل السوريين، قائلاً إن الأسواق تعاني جموداً، ولابدّ للحكومة من التدخل عبر زيادة السيولة من خلال تحسين الأجور، فقد شهدت الأسواق وفرة في عرض السلع والمنتجات، لكنها بتراجع قيمة الليرة زاد ارتفاع الأسعار التي يتحكم فيها التجار، في ظل غياب أي رقابة للدولة.

وقال رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني، إن الأسواق تأثرت خلال الأيام الأخيرة بتقلبات أسعار الصرف، ما أدى إلى جمود أو ترشيد إجباري في الشراء، نتيجة تآكل الكتلة النقدية. وأردف دخاخني، في تصريحات صحافية: حاولنا مع الجهات المعنية وضع خطة تتضمن حلولاً استراتيجية، لا حلولاً آنية، من أجل توفير انسياب السلع ويجب أن يستمر تدخل مؤسسات الدولة في توفير المواد الغذائية الأساسية، وعدم إعطاء التجّار فرصة التلاعب بالأسعار،لأن هذه المواد مرتبطة بمعيشة الناس اليومية.

وهناك تفاوت في أسعار المواد نفسها، بين محل وآخر، وهذا غير مبرر، فبعض الأرباح قد تصل إلى 50% من المنتج إلى المستهلك، مما أدى لانحراف ميول المستهلكين نحو المواد والحاجات الأرخص ثمناً، وهذا ما شكّل فرصة ومناخاً ملائماً للعديد من الباعة والتجّار لطرح مواد وسلع رخيصة نوعاً ما، لكنها رديئة ومنخفضة المواصفات، بل هناك مواد تُطرح في الأسواق غير صالحة للاستخدام البشري أساساً، وخاصة في مجال المواد الغذائية وتحديداً المعلبات واللحوم.

اقتصاد وطني في تدهور دائم، وفرص العمل في غرفة الإنعاش تطالب بحقّ الحياة!..وحبس للشباب ضمن حدود الوطن، دون باب خروج ليجدوا أنفسهم في زنزانة مفتوحة الأطراف بين فكّي الأمر الواقع، يواجهون فيضان الأزمة دون جدار عازل أو يقيهم من الغرق.. فكيف لهم أن يعيشوا؟! بعد أن فُتح لهم شباك صغير، فيه نور ضئيل يناديهم ويموّه لهم أنه الخيار المتبقي، تسلّقه كثيرون طمعاً بالراتب الشهري، وتلقّتهم بعدئذ الأسلاك الشائكة التي جرحت قلوب أمهاتهم قبل أن تخدش جلدهم الطريّ الذي لم يقوَ على حمل السلاح بعد…وغرقوا بعد ذلك في بركة الدم، التي صبغت سورية كلّها!

أما من لم تُغْرِه تلك (الطاقة) المتوارية في الجدار، فأخذه محيط البطالة ليتخبط غارقاً فيه، دون عمل يعيله أو دخل معقول يسكّن أوجاعه.. ويحاول جاهداً بعد أن باءت محاولات سفره بالفشل أن يعمل صانعاً أو أجيراً بأجرٍ يخجل تلميذ المدرسة أن يعترف به. وها هي ذي الحكومة تزيد على الرواتب الوظيفية 7500 ليرة تقريباً!

يا له من مبلغ قادر على أن يسكت شعباً بأكمله، يكاد أن يموت جوعاً قبل الموت برصاصة طائشة! وترفع بعد هذه الزيادة أسعار مستلزمات الحياة الضرورية، كالغاز والبنزين، بنسَبٍ ضخمة!!

فهنيئاً لكلّ موظّف استطاع أن يؤمّن شهادة قبل الأزمة وعمل بعد ذلك في وظيفة تردع صراخ الفقر في وجهه. أما طلاب اليوم، فالشهادة باتت حلماً عدّى أمره، يدفنون أملهم بالوظيفة ساخرين بابتسامة صفراء من حالهم المزري كمواطنين أقصى أحلامهم أن يشعروا بالشبع، لا شبع الطعام فحسب، بل شبع الكرامة!..

العدد 1105 - 01/5/2024