أطفال سورية في قاع عمالة قاتلة

تترك ظاهرة تشغيل الأطفال آثاراً سلبية تنعكس على المجتمع بشكل عام، وعلى الأطفال بشكل خاص، لذا، فإن العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرّمت الاستغلال الاقتصادي للأطفال، وبهذا الصدد، فقد حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في تقرير لها، من تفاقم عمالة الأطفال السوريين التي بلغت مستويات خطيرة نتيجة النزاع في سورية والأزمة الإنسانية الناجمة عنه.

ووجد التقرير أن (أربعة من كل خمسة أطفال سوريين يعانون الفقر)، بينما (يقبع 7,2ملايين طفل سوري خارج المدارس، وهو رقم فاقمه عدد الأطفال المجبرين على الانخراط في سوق العمل).

وبحسب التقرير فإن أكثر الأطفال عرضة للمخاطر (هم أولئك الذين ينخرطون في النزاع المسلح والاستغلال الجنسي والأعمال غير المشروعة مثل التسوّل المنظّم والاتجار بالأطفال، حيث يتعرضون بشكل متزايد لمحاولات التجنيد من قبل مجموعات مسلحة، وقد سجلت الأمم المتحدة 278 حالة مؤكدة لأطفال بسن 8 سنوات عام 2014).

إن ما جاء في تقرير اليونيسف يتعارض وبشدة مع اتفاقية حقوق الطفل والإعلان العالمي لحقوق الطفل اللذين أكدا ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجّح أن يشكل خطراً أو يمثل إعاقة لتعليمه، أو ضرراً بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي، وأوجبت الاتفاقية على الدول اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وكذلك وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل، وفرض عقوبات مناسبة لضمان فعّالية تطبيق هذه النصوص تماشياً مع اتفاقيات العمل الدولية التي أكّدت جميعها عدم تشغيل الأطفال ما قبل الخامسة عشرة من العمر، لاسيما اتفاقية العمل رقم 138 لعام 1973 واتفاقية العمل رقم 182 لعام 1999 اللتان حددتا عدداً من الأعمال اعتبرتها الأسوأ مما قد يؤديه الطفل، وهي الرق بكل أشكاله وأنواعه، والعمل القسري، واستخدام الأطفال في الصراعات المسلحة.

وجاءت الاتفاقية رقم 18 لسنة 1996 التي أصدرتها منظمة العمل العربية بشأن عمل الأحداث، كأول اتفاقية عربية متخصصة في مجال عمل الأطفال، وقد حظرت عمل من لم يتم الثالثة عشرة من عمره، ونصّت على أن أحكامها تشمل جميع الأنشطة الاقتصادية باستثناء الأعمال الزراعية غير الخطرة وغير المضرّة بالصحة، ووفق ضوابط تحددها السلطة المختصة في الدولة تراعي فيها الحد الأدنى لسن الأطفال.

وإذا ما أمعنّا النظر في مجمل التقارير والتحقيقات التي تُصدرها المنظمات الدولية، أو تلك التي تُعدّها وسائل الإعلام العالمية عن وضع أطفال سورية في الداخل والخارج، نجد أن حجم الكارثة والمأساة التي تحيق بسورية وأطفالها، بحجم لا مبالاة المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة التي وضعت معايير وأسس ومبادئ هي في حقيقة الأمر والواقع غير مُلزِمة أمام تشبث الدول المعنية بالأزمة السورية بمصالحها المتشعبة، وأزماتها التي تعكسها على باقي الدول حروباً وخراباً ومديونيات باهظة تخنق، بل تقتل بها شعوب تلك الدول وأطفالها الذين قُيّض لهم أن يعيشوا في زمن توحّش الرأسمالية المنفلتة من عقالها، بحيث جعلت الفقر قدر تلك الشعوب، بما يحمله إليها من تخلف وجوع وأمراض جسدية ونفسية لا متناهية، إذ يُعتبر الفقر أحد أهم الأسباب الرئيسية لعمالة الأطفال، مُضافاً إليه الحروب والأزمات التي تخلق عبئاً اقتصادياً يُثقل كاهل الأطفال قبل الكبار، سواء عملوا باكراً أم تعرضوا للمجاعات والأمراض المختلفة، مما يعرقل، بل ويعيق البرامج التي تُطلقها المنظمات والهيئات الدولية لمحاربة الفقر.

إن الخطر المحدق بمستقبل سورية ناتج عن أوضاع الطفولة فيها، ويكمن في أن أولئك الأطفال هم الثروة الحقيقية التي ستنهض من خلالها البلاد مستقبلاً، ذلك أنهم يتعرضون اليوم وبسبب تلك الحرب العبثية لأمراض اجتماعية وجسدية ونفسية تتمثل في:

1- الغرق طويلاً في أميّة تتسبب في تخلفهم وتمترس الفقر في حياتهم نتيجة هجرهم لمدارسهم والتحاقهم بالعمل باكراً بحكم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية لأسرهم.

2- انخفاض، وربما انعدام التطور المعرفي للطفل الذي يترك المدرسة ويتوجه للعمل، إذ إن تطوره العلمي يتأثر ويؤدي إلى انخفاض قدراته على القراءة، الكتابة، الحساب، إضافة إلى أن إبداعه يقل، وفي هذا مؤشّر خطير على مدى التخلف العلمي والاجتماعي والثقافي الذي سيلحق بالمجتمع القادم.

3-  انعدام تقدير الذات واحترامها، وكذلك الآخرين لدى أولئك الأطفال، إضافة إلى تلاشي إحساسهم بالارتباط بالعائلة نتيجة انخراطهم في العمل لوقت طويل، وربما النوم بمكان العمل وتعرضهم للعنف من قبل صاحب العمل أو من قبل زملائهم.

4- انعدام الشعور بالانتماء للجماعة، وتقلص القدرة على مساعدة الآخرين، إضافة إلى تنامي روح العدوانية لديهم، لاسيما أولئك الذين يتمّ تجنيدهم للقتال، مما يؤدي إلى الابتعاد كلياً عن القيم الأخلاقية والعاطفية، وعدم القدرة على التمييز ما بين الخطأ والصواب.

5- يؤكد الباحثون منذ وقت طويل أن أنواعاً معينة من العمل يُسبب مشاكل نفسية واجتماعية خطيرة للأطفال تتجلى بالانطواء والاكتئاب والشيخوخة المبكرة.

فهل من إمكانية جادة وحقيقية لتفعيل جميع الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية الخاصة بالطفولة إنقاذاً لملايين الأطفال في العالم؟!

وهل يُكثّف المجتمع الدولي جهوده، مقابل تـــقليص مصالحه، من أجل وقف نزيف الدم الجاري في سورية إنقاذاً لأطفالها الذين كبروا قبل أن يولدوا…؟

إ . و

العدد 1105 - 01/5/2024