عُقبى للصبي!

 هاهي الآن بقسم التوليد حيث أنينها وصراخها، بدأت الساعة تمضي ليحين موعد قدومها..

(الحمد لله على السلامة، مبروك صار عندكم عروس، مثل القمر)!

قال الدكتور هذه الجملة وانصرف.

في القديم كان الناس يعتبرون الفتاة شيطاناً، نحساً ومدعاة للشؤم وغضباً من الآلهة، وقدماء العرب اعتبروها عاراً لا بد أن يُدفن تحت التراب بسرعة، لكن الأمور تطورت قليلاً بعد ذلك، فأصبحوا يعتبرونها أداة لتفريغ الكبت، وآلة متعة، ومجرد وسيلة وجدت لترضي شهوات غيرها. إنها المرأة، أكثر من نصف المجتمع، لأن مصطلح (نصف المجتمع) فيه ظلمٌ لها، فهي التي تحمل، تتألم، تلد، ترضع، تسهر، تربي، فهل هذا فقط نصف؟ ماذا يفعل الرجال مقابل ذلك؟ يأكلون وينامون ويمارسون الجنس، فهل في بنية المجتمع يعادلون ما تنتجه النساء؟ هن من صنعن الرجال، كيف تكون المرأة إذاً نصف المجتمع؟ إنها أكثر!

بعد تلك الولادة، زادت إناث العالم العربي أنثى جديدة في مجتمع ذكوريّ بحت، يشعر بالعار إزاء الأنثى، فكيف لأب أن يتقبّل أن تكون حاملة اسمه أنثى!؟…تلك الأنثى، التي تمتلك بضع دماء، تلازمها طيلة سيرتها العذرية على أنها قضيّة شرف ويقف العار على حافة فقدان تلك القطرات القليلة بطريقة غير شرعية!…تولد الأنثى من ضلع الرجل، تُربى في كنف أبيها الذكر، ويرعاها في صباها أخوها الذكر، وتنتقل بعد ذلك لرعاية زوج ذكر، وابن شابّ ذكر، في حال أتاها(الذكر)!

تبقى حياتها مرهونة بالذكورة، التي تُسيطر على مجتمعنا الجاهل، ومازالت العقليات الشرقية تعامل المرأة على أنها جارية مطيعة للأوامر الرجولية، لأنها لا تملك الشخصية المستقلة، ذات الحق بأخذ القرار!

رغم تأكيد المجتمع أن المرأة أصبحت مساوية للرجل في الحقوق والواجبات، خاصة بعد تقلّدها مناصب مهمة، إلاّ أن إنجاب الإناث لا يزال مشكلة مؤرقة في مجتمعاتنا الشرقية، فلا تزال الرغبة الكامنة في إنجاب الصبي مسيطرة ومستحوذة على عقلية الكثيرين، حتى أصبحت كراهية إنجاب البنات لدى البعض مرضاً وشذوذاً اجتماعياً على حسب وصف خبراء الاجتماع. وقد وصل الأمر ببعض الآباء المهووسين بإنجاب الذكر، إلى الاستعانة بأطباء بلا ضمائر لإجراء عمليات إجهاض غير مبررة طبياً فور معرفة أن الجنين أنثى.

فكثيرون يفرحون بإنجاب الصبي ويحزنون لإنجاب البنت، لدرجة أن هناك مئات من حالات الطلاق تقع في البلاد العربية بسبب إنجاب الإناث، وكذلك هناك زوجات كثيرات تتعرضن للاضطهاد والظلم من الأزواج للسبب نفسه….المشكلة متعلقة بالعديد من الموروثات الاجتماعية وبقايا العادات الجاهلية، حتى أن المرأة ذاتها تجد نفسها في كثير من الأحيان أسيرة هذه الموروثات، لدرجة أنها لا تشعر بأنوثتها الكاملة إلاّ بإنجاب الذكر.!

تعيش الفتاة حياتها، تابعة للرجال خائفة من خدش غير مقصود، قد يلوّث شرف العائلة، لتمرّ بعدها بحالة الرعب، في أول شهور زواجها هالكة نفسها بفحوص الحمل خوفاً من أن يفتك بها العقم اللعين!….وبعد عدد غير مسمى من الفحوص، قد يبشرها الطبيب بأنها حامل…لتخوض عالماً جديداً، من الهذيان والتخبط النفسي، ساجدةً للرب أن يكون الجنين ذكراً! فالحمل بذكر هو فعل المستفحلين – بنظرهم- !

ها هو ذا الشهر التاسع، وفي إحدى اللحظات المليئة بالوهن، تضغط آلام المخاض على كعب بطنها المحشو بطفل، لتُصارع الموت.. تُناجي حياتها، مستنجدةً طالبة من الله الرأفة في عذابها المنتظر أثناء الولادة، ليصرخ الجنين مشرفاً بقدومه من يفقه معنى الإنسانية، ويخرج المهنئون بالسلامة من غرفتها وعلى شفاهم الجملة المعهودة (عقبى للصبي)!

العدد 1105 - 01/5/2024