معركة الشباب مع احتياجاتهم والواقع

 سادت في العقود الأخيرة، ومنذ ما قبل الحرب الراهنة، ثقافة مجتمعية استهلاكية، قائمة على تلبية احتياجات غير مُلحّة، (آخر صيحات الموضة في عالم الموبايلات أو الأزياء، أو التجميل- وشم، تكبير، تصغير، تنحيف…- أو غيرها من احتياجات ترفيهية إلى حدٍّ ما) لاسيما في أوساط شرائح الشباب من الجنسين، وذلك بفعل عوامل متعددة ومتنوّعة الأسباب، كان أهمها ذاك الغزو الثقافي الاستهلاكي المرعب الذي يُعتبر أحد أهم مفرزات ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، والذي هدف إلى تأطير شبابنا ضمن منظومة مفاهيم تُبعدهم عن واقعهم، لتُحلّق بهم فيما يُغذي غرائزهم وميولهم، فيتحولوا إلى مجرّد متلقّين لما تزودهم به بعض مواقع الإنترنت الرخيصة، أو البرامج التلفزيونية السطحية والبلهاء، إضافة إلى صنوف الغناء التافه على وقع كليبات خلاعية مبتذلة تُصوّر لهم الحياة وكأنها ملك أيديهم يفعلون بها ما يشاؤون، ويحصلون منها على ما يريدون دون تعب أو عناء.

اليوم، في ظل الحرب بواقعها المأساوي الذي رفع نسب الفقر والبطالة والغلاء باضطراد، مع انتشار الفساد بكل أوجهه في المجتمع بمختلف مؤسساته وهيئاته، بات أولئك الشباب أمام واقع اقتصادي معاشي مرير، وضعهم على مفترق طرق معظمها شّاقّة وصعبة، فغالبيتهم مسحوق لم يعد بإمكانه تلبية احتياجاته بالوسائل المعتادة سابقاً التي يقوم معظمها على مدخول الأبوين أو أحدهما، وهذا ما جعلهم يخوضون معارك مريرة ما بين رغباتهم المتنوّعة، وإمكاناتهم المعدومة، وهذا ما يؤكّده شكسبير في قوله: إن أصعب معركة في حياتك هي عندما تدفعك ظروفك لكي تكون شخصاً آخر.

لقد اتخذ بعض الشباب قراراً بالتخلي عن احتياجات لا تبدو لهم ضرورية أو مُلحّة تماشياً مع واقعهم المادي الذي جعلهم أكثر نضجاً ووعياً لما يُعانيه الأهل لتأمين لقمة العيش، بينما تشبّث البعض الآخر بنهجه المعتاد حيال احتياجات يراها أكثر من ضرورية من أجل مواكبة العصر فلا يسبقه أحد في هذا المجال، دون النظر إلى وضعه المادي، مما دفع بالكثير منهم لتأمين تلك المتطلبات بوسائل لا أخلاقية غالباً، وهي معروفة للجميع، وهذا بالتأكيد ما سيقودهم والمجتمع إلى الهاوية، باعتبارهم أداة التغيير والمستقبل.

 

العدد 1105 - 01/5/2024