الضعفاء من يحميهم؟

 التحرّش بالتعريف، هو شكل من أشكال المضايقة، والإيذاء النفسي والجسدي للآخرين وانتهاك حرماتهم. ويحدث التحرّش بالكلام أو باللمس أو بالإيحاء أو بالإيماء، وهي ظاهرة قد لا تكون عامة، إنما هي ظاهرة موجودة ومنتشرة ضمن بعض العلاقات الفردية للأشخاص الشواذ والعابثين بالأخلاق العامة للمجتمع.

غالباً ما يكون المقصود بالتحرّش، هو التحرّش الجنسي بالنساء والأطفال، وتبقى صفة التحرّش بهذا المعنى إن لم يرافقها الفعل، وفي حالة مرافقة التحرّش بالفعل فيكون هو اعتداء بصفة الجنحة أو الجريمة.

التحرّش الجنسي تُعاني منه كل المجتمعات، وفي أيّ مكان، إلاّ أن أغلب قضايا التحرّش تبقى طيّ الكتمان، بسبب عدم وجود الأدلة التي تحتاجها الشكوى والادعاء على الجاني للجهات القضائية، كعدم وجود شهود الإثبات الذين تستدعيهم المحاكم، لأن المتحرّش الجاني دائماً ما يختار المكان والزمان المناسبين له لأداء فعلته بعيداً عن أعين الرقابة والشهود، ولا يشعر بفعلته أحدٌ سوى الضحية نفسها، أو تبقى طيّ الكتمان لخوف الضحية من الفضيحة العائلية والاجتماعية، فيكون التزام الصمت وعدم الشكوى غالباً.

يُعلل البعض، وقد يكون مُحقّاً أحياناً، وغالباً مُخطئاً، أن أحد أهم أسباب التحرّش بالنساء، هو انزياح تصرفات المرأة عن القواعد والعادات الاجتماعية، إن كان من ناحية اللباس غير المألوف، أو من طريقة حركتها في الشارع أو بين الناس، وفي مكان عملها، ومن طبيعة حديثها وأفكارها المعلنة، ويقول قائل: من لا تمدُّ يدها لا أحد يتناولها.

الحديث في المجتمع حول التحرّش، هو قضية دائمة الاهتمام، لأنها قضية فيها تهديد مستمر للقيم والأخلاق التي تعمل التربية على ترسيخها في عقول الأبناء ونفوسهم، ويتصاعد إيقاع الخوف من الآخرين، ويحدث القلق من الأهل على بناتهم وأولادهم، وخاصة الأطفال منهم، ويصير الحديث حول تحوّل تصرفات بعض الأشخاص، إلى غابة من الوحوش البشرية التي لا تحكمها أية قوانين أو سلطات قضائية، أو رادع أخلاقي.

يسعى الأهل دائماً إلى إيجاد شواطئ من الطمأنينة للحفاظ على أبنائهم وبناتهم، أن يكونوا بعيدين عن الأجواء التي تتيح للشواذ والجناة أجواء التحرّش والمراودة عن النفس، عن طريق التربية والتوصية والمنع من الظهور في المجتمع بمظهر غير لائق أو يُثير الشبهات، وتحديد طرقٍ وأسسٍ للاختلاط مع الآخرين.

النساء والأطفال من الجنسين، هم المعنيون بالاهتمام وحمايتهم من التحرّش، وخاصة ذوي الاحتياجات الخاصة، والتحرّش هو بالطبع عمل عدواني باختلاف أشكاله ونتائجه وأفعاله وغاياته، والقضية تتعلق بالكثير من المخاطر على النفس والجسد والذات الإنسانية، ولا يحدُّ من هذه المخاطر سوى الإشراف المباشر من قبل الأهل ومؤسسات التربية، لأن القانون شبه غائب عن معالجة هذه الحالة.

ثمة جهود تربوية وثقافية وأخلاقية، تطرح نفسها في المجتمع، في الشارع، في المدارس والمعاهد والجامعات، وفي كل أماكن العمل والاختلاط، للحدّ من ظاهرة التحرّش، وقد تكون مراقبة الناس لبعضهم، هي التي تحدُّ من هذه الظاهرة، وإن كان البعض يعتبرها حرية شخصية تخضع لشروط الرفض والقبول، وغالباً ما يقع اللوم على الضحية. غير أن التحرش يبقى من أهم المخاطر المستمرة التي يُعاني منها المجتمع، وفي أيّ مجتمع متخلفاً كان أم متحضراً، متحرراً كان أم منغلقاً.

العدد 1105 - 01/5/2024