الديمقراطية: التأسيس والزيف الديمقراطي الغربي

إن أولى بوادر الديمقراطية كرؤية نظرية ظهرت في أثينا في القرن الخامس قبل ميلاد السيد المسيح، نتج عنها مجمل آراء طرحها سقراط ثم أفلاطون وأرسطو، تبلورت في هيئات حاكمة من النخب الأشكال، لكنها بالمحصلة فردية واستبدادية. وفي روما القديمة وجدت صيغ الحكم،  الشعبية. وكان أغلبية سكان أثينا من العوام العبيد، بعضهم أسرى الحرب الفارسية الإغريقية، أو من الإغريق أنفسهم.

خارج بلاد الإغريق كان العالم كله في الشرق والغرب خاضعاً لأنظمة حكم مختلفة الأشكال، لكنها بالمحصلة فردية واستبدادية. وفي روما القديمة وجدت صيغ الحكم، ووجد نوع من تقارب الرئاسات والمسؤولية أمام سلطة مجلس الشيوخ العليا، وعندما حاول يوليوس قيصر التفرد في السلطة المطلقة تم اغتياله. والمفارقة أن من اغتاله هو بروتوس ابنه بالتبني. بعد ذلك حكم أول أباطرة روما وهو أغطيوس.

في هذه الفترة ظهر السيد المسيح، وتجاوز برسالته، تعاليمه اليهودية، وشرائعها العنصرية، وقدم الكثير من المبادئ التي تتجه نحو أسس مثالية في الحكم وممارسته، تحت عنوان كبير أن الحاكم هو خادم للرعية، وللشعب، وغير ذلك من قيم المحبة، والتساوي، والعدالة، والتعاون، والتكامل. وهي أسس كل نظام ديمقراطي حتى اليوم. لكن عندما اعترف الإمبراطور قسطنطين بالديانة المسيحية وحقها، وكان ذلك في بداية القرن الرابع الميلادي استطاعت السلطة الزمنية جذب السلطة الكنسية إلى صفوفها. واستقوى الإمبراطور بها، وبدأ اندماج الكنيسة بغواية السلطة، والتمييز في القوانين، والتعامل، والإغراق في الحياة المادية. وهكذا فقدت الكنسية قدرتها على نقد السلطة، وتقويمها وغدت جزءاً منها.

ثم جاء الفتح العربي الإسلامي فحرر بلاد الشام ومصر من السلطة البيزنطية، وتعاطى مع السكان والأهالي من مسيحيين وغيرهم، بنوع من السلطة جمعت بين الزمنية والدينية، إذ احترمت الأديان والمعابد والتقاليد، وقام نوع من التعاون بين الفاتحين وسكان الأقاليم، أدى لقيام المؤسسات والإدارة، والتطور العمراني.. لكن السلطة الإسلامية القائمة على الشورى تحولت إلى سلطات فردية وعائلية، وجلبت على المسلمين ما تمليه كل سلطة لأصحابها من تفرد، وتماد، ومصالح، وثراء وفساد وغير ذلك. هذا في الشرق.

أما في الغرب فلم يكن الوضع أفضل حالاً منذ شهدت أوربا أنظمة متفردة، ومتقلبة، ومزيداً من التسلط والقسوة، والحروب. إلى أن جاءت الثورة الفرنسية عام 9871م بعد تراكم ثقافي، واجتماعي، وفكري واسع، وعميق امتد عشرات السنين داخل فرنسا ومجتمعها، فأطلتِ الشعارات الشهيرة (حرية  مساواة  عدالة). وقد كلفت هذه الثورة عشرات آلاف الضحايا. والمفارقة الكبيرة هي خضوع هذه القوى بسرعة لزعامة نابليون وما حمله من قوة، وتسلط، ودموية، وحروب. ولكن مبادئ الثورة الفرنسية استطاعت شق طريقها في أوربا، وأمريكا، والعالم بنسبة أو بأخرى.

فقد أخذت ألمانيا بالنظام الديمقراطي بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا ينسحب على إيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال. وفي بريطانيا كانت الملكية قائمة لكنها زاوجت بينها وبين النظام البرلماني عبر التنافس بين الحزبين المعروفين: العمال والمحافظين، وبين الملكية كرمز للتاج البريطاني، ووحدة بريطانيا.

التناقض الكبير الذي حملته الديمقراطية الغربية أنها كانت ديمقراطية في بلدانها بنسبة أو أخرى، لكنها كانت خارج بلدانها وقارتها الأوربية دولاً استعمارية، واستغلالية، إذ جرى نهب شعوب البلدان ا لمستعمَرة ومواردها. وعندما ذهب الأوربيون إلى العالم الجديد، أمريكا بعد اكتشافها، قضوا على جميع سكانها الأصليين، الهنود الحمر. ثم كان هناك الصهيونية العالمية، ونشاطها المحموم في بريطانيا ثم أمريكا، وإمساكها بمفاصل المال، والسلاح، والإعلام، والسياسة.

هذا ما جرى ويجري اليوم في الغرب الأمريكي والأوربي ويديمقراطيته العرجاء، والتأييد المطلق لإسرائيل، وجرائمها في فلسطين. وامتدت ديمقراطية التدمير الأمريكي الغربي من فيتنام إلى أفغانستان إلى العراق إلى ليبيا إلى ربيع الدمار العربي الذي يجري كل يوم.

في كل ما جرى ويجري، تقف سورية وشعبها وأصدقاؤها في وجه هذا الزيف الديمقراطي، وتجلياته الاستعمارية الجديدة الدموية والتخريبية. إنها معركة ولادة التوازن الدولي الجديد، والحد من الهيمنة، والعدوان الأمريكي على العالم كله.

فلنكن مع شعبنا، وذواتنا، ووطنيتنا الصادقة.

العدد 1105 - 01/5/2024