الانحدار الأمريكي.. الأمة المنقسمة

(لم تبق الولايات المتحدة الأمة الأقوى في العالم. ليس هناك من دليل على ذلك. وليست هي الأولى. هي الأولى في عدد المساجين. والأولى في الإنفاق على التسلح). هذا ما يقوله سوركين، أحد أكبر كتاب الولايات المتحدة في الزمن الحالي.

تلف الأزمة السياسية والاقتصادية الولايات المتحدة. ولكن لا بحث في هذا الموضوع ولا نقاش. هم لا يعترفون بهذه الحقائق، ويرون أن كل بحث في ذلك خيانة وطنية. واعتماداً على أقوال سوركين وعلى الإحصاءات، فإن الولايات المتحدة ليست من الدول العشر الأول في العالم من ناحية البنى التحتية، وخاصة بالنسبة للطرق وللجسور والأنفاق ومحطات سكك الحديد والمطارات. وتتفوق أوربا عليها في كل تلك المناحي.

تفتقر الولايات المتحدة حالياً للقدرة المالية والشجاعة السياسية والإرادة الاجتماعية. وإذا نظرنا إلى الانقسام الثقافي، الذي ظهر واضحاً أثناء الحرب الأهلية التي جرت منذ 150 عاماً، رأينا أن الانقسام قد عاد الآن أقوى من ذي قبل. ويدلّ على ذلك الأزمات المتوالية حالياً. وفي مختلف المجالات. لقد تغير الوضع، عما كان عليه في القرن العشرين، عندما خرجت الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، كأقوى دولة في العالم. أما في القرن الحادي والعشرين، فقد انهار الحلم الأمريكي، الذي كان وهماً، بفعل الانحدار الاقتصادي، الذي نتج عن تطبيق الليبرالية الجديدة، التي جعلت من (وول ستريت) مركز الاقتصاد العالمي، والذي أنتج الأزمة المالية الكبرى، التي أدت إلى خسارة ملايين الأمريكيين لبيوتهم وأعمالهم، ولصعود البطالة إلى مستويات لم تُعرف من قبل.

بعد خسارة الولايات المتحدة حروبها في العراق وأفغانستان أصاب التعب الأمريكيين. على ما تقوله مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في عهد بيل كلينتون. وبعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك عام 2001 تفكك المجتمع الأمريكي، وظهر ذلك في المشاجرات السياسية التي حدثت ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

تتراجع الولايات المتحدة في مجالات يسبقها فيها الآخرون، وخاصة في مجال الطاقة الشمسية. والتي أشار إليها الرئيس بيل كلينتون في الحملة الرئاسية الحالية، إذ تستوعب بريطانيا 300 ألف فرصة عمل في هذا المضمار. أما في الولايات المتحدة فالعدد قد يصل إلى مليون فرصة عمل.

يقول باراك أوباما إن أميركا لا تستطيع إرسال جنودها لإشعال الحروب في الخارج. وقد أشعل هذا الاعتراف نقاشات لا تنتهي حول نهاية الدور الأمريكي في العالم. ويرجع السبب إلى الأزمة الاقتصادية وأزمة النظام السياسي. إن الوضع الاقتصادي لأي دولة يؤثر في سياستها الخارجية. ويثير هذا الأمر حفيظة المحافظين، الملتصقين بالماضي الزائل.

يدرك معظم الأمريكيين أن بلادهم فقدت دورها القيادي. ويصبّ الجمهوريون جام غضبهم على تمثال الكراهية الذي صنعوه. (وهو هنا باراك أوباما وليس غيره)، ويحمّلونه مسؤولية الهزيمة المنكرة. ولكن ما دمنا قد التزمنا بالموضوعية، فلا بد من القول إن الولايات المتحدة هي الأكثر تطوّراً عسكرياً واقتصادياً. ولا تزال الأولى في الابتكار والاختراع العلمي. وتتميز أيضاً بالنمو السكاني، والمساحة الشاسعة من الكرة الأرضية. وهذا مختلف عما هي أوربا عليه، التي سيكون انحدارها أسرع من ذلك المتوقع للولايات المتحدة.

   (السفير) 15/ 12/2012

العدد 1105 - 01/5/2024