نظرة ماركسية إلى الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة

(الرأسمالية على طريق مسدود) هو العنوان المعبر لكتاب صدر في العام الماضي في الولايات المتحدة يحلل الأزمة الراهنة للرأسمالية العالمية من منظور ماركسي. يركز الكتاب بشكل رئيسي على الوضع الأمريكي، ويظهر أهمية تدمير الوظائف في عصر التقنية العالمية وإنتاجية العمل المرتفعة. يبدأ هذا العمل من الظروف الراهنة، ولا يغطي الأزمة الراهنة فحسب، بل كذلك الحركات الاجتماعية والسياسية التي تولّدها.

يعد هذا الكتاب تكملة لكتاب آخر سبق أن نشره المؤلف، فرد غولدستاين هو (رأسمالية الأجر المنخفض) يصف فيه تأثير الإمبريالية الجديدة المعولمة والتقنية العالية على الصراع الطبقي في الولايات المتحدة الأمريكية. (أشكر المؤلف على النسخة التي أرسلها إلي من هذا الكتاب مع إهداء يعبر عن توجهه السياسي والأممي: لتبق الولايات المتحدة بعيدة عن الشرق الأوسط، مع التضامن).

يركز شرح المؤلف في (الرأسمالية على طريق مسدود) على ثلاث أو أربع حقائق حاسمة لفهم الأزمة الراهنة، ولكنها قليلاً ما نوقشت ضمن التيارات السائدة من الآراء. وهذه الحقائق، في رأينا، هي التالية:

1 هذه أزمة طويلة الأمد، ما زلنا في مراحلها المبكرة وطابعها غير قابل على الإطلاق للمقارنة بالصعود والهبوط العادي للنشاط الاقتصادي.

2 يوجد في أصلها هبوط معدل تراكم الرأسمال، ما يجعل المظاهر المالية نتيجة لا سبباً للمشكلات الحالية. 

3 برزت الأزمة بعد عقود من التقدم التقني الكبير، ومن زيادة إنتاجية العمل والمنافسة التي تكذب فكرة الفقدان الواسع للإنتاجية والقابلية للمنافسة. وتظهر، على العكس، أن النظام يتفجر في خطوط الاتصال نتيجة قدرته على الإنتاج بمقياس ضخم.

4 حيثما أمكن التحدث عن أي تعاف اقتصادي بعد انهيار عام 2008 (كما في الولايات المتحدة)، فهذا التعافي قد حدث من دون استعادة وظائف كانت قد صفيت بأعداد غير مسبوقة.

ولهذا السبب، فإن مجمل النظام الرأسمالي على طريق مسدود. أو كما يقول المؤلف: (وصلت الرأسمالية إلى نقطة، لا يوجد بعدها شيء ذو طابع اقتصادي يستطيع بحد ذاته، من دون مساعدة، جعل النظام يتحرك إلى الأمام والأعلى بعد الآن).

انطلاقاً من نتائج البحث هذه، وبعد القيام بمقارنات مع أزمات عالمية كبيرة في أعوام 1873  1896 و1929  1939 التي انبثقت منها الرأسمالية تحت زخم الحرب (الحرب الإسبانية  الأمريكية عام ،1898 والحربين العالميتين في أعوام 1914  1918 و1939  1945)، موظفة في توسع إمبريالي، يكتب المؤلف أن رد الرأسمالية العالمية على أزمتها اليوم يشير أيضاً إلى (تدمير ضخم لوسائل الإنتاج والبنية التحتية).

ومع التغيرات العنيفة التي تحدث منذ عام ،2008 تغيرت بانوراما الصراع الطبقي أيضاً. إن الميل للربح بمعدلات متدنية باستمرار، والعجز عن رفع مستويات التوظيف، ولو جزئياً، يترجم إلى انحدار عام في الأجور (رأسمالية الأجر المنخفض). وهكذا، كما يقول غولد ستاين: (حل فقط محل عصر الإعادة). عصر الحقوق الممنوحة وهذا واضح ونلاحظه لا في تقليص الأجور، بل كذلك في اقتطاعات في الإعانات الاجتماعية ومقدار أكبر في انعدام الأمان في العمل، وفي الهجوم على حقوق العمال والنقابات. باختصار، كل شيء قدِّم في أوربا بعد الحرب على مايفترض أنه (تقدم للحضارة) لا يُلغى.

يؤكد غولدستاين أن هذه الأزمة مختلفة لسبب آخر. (كل الطرق التقليدية التي انتعش بوساطتها النظام (في الحالات السابقة) قد استخدمت، ولكنها لم تعد تنجح). والدليل هو تريليونات الدولارات (واليوروهات) التي حُقنت بشكل رئيسي في النظام المالي بأثر وحيد هو تجنب تردي الأزمة، ولكن من دون معالم أي تعاف اقتصادي.

والأكثر من ذلك: حقيقة أن بيزنس الولايات المتحدة ينمو نمواً بطيئاً جداً، وأن أوربا واليابان على حافة الانحدار، ما يزيد المخاوف حتى ضمن دهاليز السلطة، من انكماش اقتصادي عالمي جديد.

ولكن، إذا كانت هذه أزمة ذات بعد عالمي وليست مجرد انخفاض دوري للبزنس، ولا يوجد تعاف حقيقي على مدى الرؤية، عندذاك نعتقد أنها تتخذ طابع نهاية حقبة.

وكما يؤكد المؤلف: (يدخل نظام الربح مرحلة يستطيع فيها فقط جر الإنسانية إلى الوراء)، لذلك (ستصل جماهير الشعب إلى نقطة حيث لا تستطيع سلوك الطريق القديم، لأن الرأسمالية تسد كل الطرق للبقاء). وبعد الوصول إلى هذه النقطة، (تستطيع البشرية التحرك إلى الأمام بتنظيف طريق البقاء، وهذا لا يعني أقل من تحطيم الرأسمالية نفسها).

تقودنا موضوعات كتابَيْ فرد غولدستاين، في الواقع، إلى قضية يتعين على الماركسيين والحركة الشيوعية تكريس انتباه شديد إليها: انتهى مع هذه الأزمة عصر التوسع الرأسمالي الذي بدأ مع الحرب العالمية الثانية، وهذا يخلق تالياً الظروف  لدورة جديدة من الثورات الاجتماعية العالمية النطاق.

يجب لذلك، في رأينا، أن تعد راهنة جداً كلمات كارل ماركس وهو يقوّم الأزمة الاقتصادية لعام 1874. فبعد تأمل تعافي الرأسمالية في عامي 84__ و،1849 عندما هزمت الثورات التي حدثت في أوربا عام ،1848 قال: (إزاء هذا الازدهار العام الذي تتطور فيه القوى المنتجة بأغزر ما أمكن ضمن إطار علاقات بورجوازية، لا يمكن الحديث عن ثورة حقيقية. إن ثورة كهذه ممكنة فقط عندما يتناقض هذان العاملان، وهما القوى المنتجة الحديثة وأشكال الإنتاج البورجوازية).

ويستنتج ماركس: (الثورة الجديدة ممكنة نتيجة أزمة جديدة، وهي محتومة مثل الأخيرة).

أليست الأزمة التي نراها الآن، برغم كل شيء، دليلاً على صراع بين قوى الإنتاج الحديثة وعلاقات الإنتاج البرجوازية؟

العدد 1105 - 01/5/2024