عام الأعاصير المكلفة

لعل أبرز حدث بيئي حصل في العام 2012 هو إعصار (ساندي) الأخير الذي ضرب في 29/10/2012 الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية وكلف أكثر من 71 مليار دولار في ثلاث ولايات، بحسب حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو. هي أكبر كلفة في التاريخ لإزالة الأضرار والقيام بالإصلاحات اللازمة لإعصار. وهو الحدث الأكبر لناحية الكلفة والدلالات أيضاً. يمكن اعتبار إعصار (ساندي) أكبر من كارثة فوكوشيما النووية بعد التسونامي الذي ضرب اليابان العام الماضي، وأكبر من حادثة الانفجار الذي ضرب شاطئ المكسيك أثناء التنقيب عن النفط والغاز منذ عامين.

وتكبر الأهمية التحليلية لهذا الإعصار ليس لناحية كلفته التاريخية، بل لإمكان ربطه بقضية تغير المناخ العالمية. وقد حُمّلت الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية التاريخية في تفشيل بروتوكول كيوتو ذي الصلة، عندما لم تصادق عليه بعد إبرامه عام 1997.

ولكن هل حسم الجدل علمياً وعالمياً حول تسبب تغير المناخ بمثل هذه الأعاصير المدمرة؟

وفقاً لشركة التأمين العملاقة (ميونيخ ري)، ساهمت الكوارث المتعلقة بالطقس والمناخ في أكثر من ثلث الأضرار التي قدرت قيمتها بنحو تريليون دولار على مستوى العالم في العام 2011. وقد تجاوز إجمالي الأضرار هذا العام هذا المبلغ بالتاكيد.

تزداد الأدلة يوماً بعد آخر على وجود ارتباط بين تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، وموجات الحر، والجفاف، وغزارة الأمطار. ورغم أن البحوث العلمية حول الأعاصير والزوابع ليست قاطعة لناحية صلتها بتغير المناخ، إلا أن أحداً لم يعد يستطيع أن يتجاهل هذا العامل المؤثر بشكل حاسم.

فمن راجع التقارير الأخيرة الصادرة عن فريق الأمم المتحدة الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ وغيره من الجهات العلمية، يجد فيها الكثير من التأكيدات مثل: (إن شدة الأعاصير المدارية سوف تزداد نتيجة للمسطحات المائية التي أصبحت أكثر دفئاً). وتؤكد تلك التقارير (أن غلافنا الجوي ومحيطاتنا أصبحت أكثر دفئاً بالفعل، مع اختزان كمية كبيرة من الحرارة المتبقية في المحيط، لكي تنطلق إلى الغلاف الجوي في وقت لاحق في المستقبل). بل إن بعض الدراسات أشارت إلى (أن الأعاصير المدارية قد تصبح أكثر تطرفاً). كما تؤكد الدراسات (أن مستويات سطح البحر ارتفعت على مدى القرن الماضي، ولا تزال مستمرة في الارتفاع، في استجابة للمناخ المتغير. والآن تمتطي التيارات العاصفة مستويات سطح البحر المرتفعة هذه، الأمر الذي يؤدي إلى تضخيم الخسائر الناجمة عن الفيضانات).

كما أكدت الدراسات (أن درجات حرارة سطح البحر على طول الساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة أصبحت أدفأ، الأمر الذي ساعد في اشتداد إعصار ساندي قبل بلوغه اليابسة)، كما يقول بعض الخبراء.

فضلاً عن ذلك، فإن مستوى سطح البحر على طول الساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة يرتفع بما يعادل أربع مرات أسرع من المتوسط العالمي، الأمر الذي يجعل المنطقة أكثر عُرضة للتيارات العاصفة والفيضانات. والخلاصة التي يخرج بها الخبراء هي (أن نظام العواصف الساحلي سوف ينتج المزيد من الفيضانات بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر).

كما تحدث بعض الخبراء عن نمط الطقس في الغلاف الجوي المعروف باسم (الكتلة)، حيث توجد منطقة ضغط جوي مرتفع بشكل مستمر، والتي ربما أدت إلى درجة غير مسبوقة من ذوبان الثلوج في غرينلاند، كانت على الأرجح السبب وراء تحرك الإعصار ساندي إلى داخل اليابسة بدلاً من التحرك إلى البحر. إلا أنهم لم يستطيعوا الجزم ما إذا كان هذا (النمط المتكتل) أشبه بمظهر من مظاهر تقلب الطقس، أو تقلب مناخي قصير الأجل، أو نتيجة لتغير المناخ.

قبل تقدم أساليب التنبؤ بالطقس، لم تكن السلطات تصدر أية تحذيرات قبل وصول الإعصار، وكانت الأضرار البشرية أكبر. ولكن اليوم، وبفضل الأقمار الصناعية، وبالونات الطقس، وأجهزة الكمبيوتر الضخمة، وخبراء الطقس المدربين، بات بالإمكان توقع الأحوال الجوية الخطرة قبل حدوثها بأسبوع. كما حصل تقدم مماثل في مجال (تنميط المناخ)، وذلك بفضل التحسن المنهجي والقدرة على جمع بيانات بشكل أفضل وأكثر دقة.

ولكن الحصيلة الحقيقية لهذا التقدم هي: تقدم المعرفة المسبقة بحصول الأعاصير مع تقدم الأعاصير نفسها لتصبح أكثر كثافة وتدميراً!

مع الإشارة إلى أن هذا (التقدم) ليس عالمياً. والدلالة على ذلك إعصار (بوفا) الذي ضرب الفيليبين بعد مرور شهر واحد على إعصار (ساندي) وذهب ضحيته أكثر من ألف شخص!

يؤكد خبراء المناخ في العالم الحاجة العالمية إلى المزيد من التعاون في الأعوام المقبلة، مع بدء تغير المناخ في التفاعل مع الظواهر الجوية العنيفة وزيادة حدتها، من أجل كسب الوقت اللازم للإعداد لمواجهة الكوارث.

ولكن كيف السبيل إلى هذا التعاون الدولي لمواجهة هذه الظاهرة الاخطر في تاريخ البشرية في ظل اقتصاد عالمي قائم على المنافسة؟ هو السؤال الذي يفترض البدء بالإجابة عنه كأوّلية على المزيد من التقدم في علوم المناخ.

عن (السفير)

العدد 1104 - 24/4/2024