خمس خرافات عن المياه

تعد أزمة المياه  المتمثلة في طلب عالمي متزايد باستمرار على مورد حيوي يعاني الندرة النسبية  واحدةً من أهم الأزمات العالمية المزمنة. ولمواجهة هذه الأزمة يشارك نحو خمسة آلاف عالم ومتخصص وصانع قرار وباحث وأكاديمي في (القمة العالمية الأولى للمياه) والتي تعقد في أبو ظبي في الفترة ما بين 15 و17 كانون الثاني الجاري.

إذا كنا نعرف أن العالم يستهلك ما مقداره 66,2 تريليون لتر من المياه يومياً، وأن النمو السريع في عدد السكان والتحسن المستمر في مستويات المعيشة وزيادة الطلب على المياه لأغراض التصنيع سيؤدي إلى رفع نسبة الاستهلاك العالمي من المياه إلى أعلى من عام إلى آخر، وأن مورد المياه هو من أكثر الموارد الطبيعية تعرضاً للإسراف وسوء الاستخدام، إذ تشير التقديرات إلى أن كفاءة استخدام المياه حول العالم لا تتعدى 20 إلى 40 بالمئة، وأن هذا المورد يتعرض لأنواع عديدة من التلوث الذي لا يقلص فقط من حجم المياه الصالحة للاستعمال البشري، ولكنه يتسبب في تعريض مستهلكي المياه الملوثة إلى كثير من الأمراض والأوبئة، وأن ما يقارب ال 70 بالمئة من مخلفات المصانع حول العالم تصل بطريقة أو بأخرى إلى المياه العذبة، ونحو مليوني طن من مياه الصرف تتسرب يومياً لتصل إلى مخزونات المياه الجوفية. ونتيجةً لهذا، فإن النسبة المتبقية من المياه العذبة لا تكفي سكان العالم، إذ إن هناك فقط 1 من كل 6 أشخاص حول العالم لا يمكنه الوصول إلى مصادر المياه العذبة، وهي نسبة مرشحة للزيادة في المستقبل، في حال استمر الوضع على ما هو عليه.

إذا كنا نعرف كل هذا، فإننا، رغم ذلك، لا نعرف تقريباً أي شيء عن الماء، بدءاً بأساسيات أوليَّة كهذه: من أين تأتي مياهنا؟ أين تذهب في كل مرة تختفي في مجاري الصرف الصحي؟ على أي حال، ما نعتقد أننا نعرفه عن الماء هو في أغلبه أمر خاطئ. وإسهاماً منّا في (النور) في نشر (الوعي المائي)، نورد فيما يلي ترجمةً لمقالة نشرت في صحيفة (الأمة باكستان) بقلم الكاتب (تشارلز فيشمان)، يعرض فيه خمس أساطير عن المياه يجري تداولها بين الناس أو في وسائل الإعلام، وبالتالي يقدم ما يراه حقائق بديلة لهذه الأساطير:

 

الأولى: المياه تنضب بسرعة

نقرأ في عناوين الصحف يومياً عن الجفاف في أمريكا، وإفريقيا والصين وغيرها، وأن ثمة خطراً من جفاف بحيرة نيفادا. ولم يعد نهر (كولورادو) و(ريو غراند) يصبان في البحر. من الواضح أن المياه أصبحت أكثر ندرة عن ذي قبل. لكن الواقع ليس كذلك؛ فكمية المياه على الأرض لا تتغير، وأنه لا خطر من نضوب المياه في الكوكب الذي نعيش عليه. تتمثل إحدى الخرافات المضللة التي نعرفها عن المياه، في أن 5,97بالمئة من المياه الموجودة على الأرض ليست قابلة للاستخدام من قبل الإنسان، لأنها مياه محيطات مالحة. في الحقيقة، تعد المحيطات ينابيع أولمبية من المياه العذبة- فكل يوم تشترك الشمس والبحر والتبخير لصنع 45 ألف غالون من مياه الأمطار لكل رجل وامرأة وطفل يعيش على سطح الأرض. كما أن إحدى خصائص المياه المعروفة هي أننا لن نستهلكها بالكامل أبداً. فالمياه تظهر من جديد من كل شيء نعمله بها، سواء كان صنع القهوة أو صنع الحديد، وتكون جاهزة للاستخدام مرة أخرى.

تكمن المشكلة في أننا أقمنا مجتمعاتنا ومزارعنا وخزاناتنا في الأماكن التي نتوقع توفر المياه فيها. وبالتالي، فإن شح المياه الذي نعانيه هو نتيجة لتغير المناخ – فمازالت الأمطار تتساقط، لكنها لا تتساقط بما يملأ خزاناتنا. كما أن ندرة المياه جاءت نتيجة لنمو السكان؛ فكلما زاد عدد السكان زادت الحاجة إلى المياه. كما أن هناك التكلفة المستترة للتنمية الاقتصادية. ومع ازدياد ثراء الناس، يستخدمون المزيد من المياه مثل الاستحمام واستخدام غسالات الجلي، والمزيد من الطاقة التي تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه.

 

الثانية: المياه المعبأة أفضل من مياه الحنفيّة

ينبغي على مؤسسات المياه التابعة للدولة، وشركات المياه المعبأة اختبار وتحليل مياهها كل بضع ساعات، والإبلاغ عن قضايا السلامة خلال 48 ساعة. أحياناً تكون هناك مشاكل بالنسبة لمياه البلدية، كوجود الرصاص مثلاً. ينبغي على كل شخص يساوره القلق بشأن سلامة المياه أن يستخدم الحنفية أو (المصفاة/ الفلتر). وينبغي على كل شخص يعتقد أن طعم مياه الحنفية سيئ مقارنةً بالمياه المعبأة أن يتذكر أنه عادةً ما يشتري عبوة مياه مبردة وهو عطشان. لهذا السبب يكون طعمها رائعاً. ضعْ عبوة من مياه الحنفية في ثلاجتك وستكتشف أنها بنفس طعم المياه المعبأة. وفي الحقيقة عند إجراء اختبار التفريق بين المياه المعلبة ومياه الحنفية لا يستطيع المرء تحديد الفرق.

 

الثالثة: هذا القرن سيكون قرن حروب المياه

رغم أننا نسمع كثيراً عن أن (المياه سوف تكون النفط المقبل)، وأنها ستصبح مصدراً للنزاع الدولي، وأن سعرها سوف يرتفع كثيراً، إلا أنه لا يتوقع في المدى المنظور حدوث أي حرب على خلفية المياه. إننا نحارب من أجل النفط لأنه سلعة ضرورية وحيوية، كما أننا نقاتل من أجله لأنه يمكن نقله على مسافات بعيدة. وهناك خطوط أنابيب طويلة وسفن وشاحنات تنقله إلى أي مكان. إذا استطعت تأمين النفط في حرب ما، فإنك تستطيع استخدامه، كما أن هناك اقتصاديات النفط التي تدعم نقله وخوض الحروب من أجله. عندما كان النفط رخيصاً – كان سعر البرميل 30 دولاراً في عام 2003- وصل سعر 10 غالونات من النفط الخام إلى سبعة دولارات. وفي الوقت نفسه لم يتعدَ سعر 10 غالونات من المياه 3 سنتات. لذلك، الماء رخيص جداً بدرجة لا تجعله مصدراً للحرب، كما أنه يصعب نقله في كل أنحاء العالم عند الطلب. أجرى البروفيسور (آرون وولف)؛ من جامعة (أوريغون) الرسمية دراسةً شملت أكثر من ألف سنة فلم يجد حالة نزاع واحدة بين دولتين أو أكثر كانت المياه سببها الرئيس. ويوضح بحث (وولف) أنه عندما تتعاون الدول لحل قضايا المياه، فإنها تستطيع في أغلب الحالات حل صراعات أكبر.

 

الرابعة: مع ازدياد السكان ونمو الاقتصاد، تظل الولايات المتحدة المستهلك الأكبر للمياه في العالم

في الواقع، تتمثل أعظم قصص المحافظة على المياه في السنوات الأخيرة في أن الولايات المتحدة كدولة تستخدم كميات أقل من المياه اليوم عما كان الوضع عليه في عام 1980. فخلال هذه الفترة، تضاعف حجم الاقتصاد الأمريكي وازداد عدد سكان البلاد بحوالي 70 مليون نسمة، رغم ذلك، يقل ما تستخدمه من المياه الآن بنسبة 10بالمئة عما كانت تستخدمه منذ ثلاثين سنة. الكمية الأكبر من هذه المياه التي توفرت أتت من المزارعين ومن محطات الطاقة التي تستخدم كميات أقل من المياه، وتنتج في الوقت نفسه المزيد من المواد الغذائية والطاقة الكهربائية. ولا شك أن الزراعة ومحطات توليد الطاقة يعدّان المستهلك الأكبر للمياه في كل يوم، ويشكلان 80 بالمئة من استخدام المياه. هذا لا يعني طبعاً أننا نستطيع أن نقضي عشرين دقيقة في الاستحمام ونزرع العشب الطويل. فعلى الرغم من انخفاض كميات المياه المستخدمة، مازال استخدام المياه في المنازل في ارتفاع على مدى الثلاثين عاماً المنصرمة، حتى وإن كان هذا الارتفاع بسيطاً. ففي عام ،2005 استخدم المواطن العادي كمية من المياه تزيد بنحو 5,3 غالونات في اليوم الواحد عن عام 1980. لكن المياه العامة هي التي يصعب الحصول عليها وتوصيلها والتخلص منها. إن الحياة الاقتصادية للمدن الأمريكية تحتاج إلى أنابيب المياه والمضخات ومحطات المعالجة. لذلك، فإن المياه الأرخص بالنسبة للمدن هي تلك التي لا يستخدمها السكان.

 

الخامسة: تحتاج إلى شرب ثمانية أكواب من الماء في اليوم

على الرغم من أن هذه النصيحة الصحية منتشرة انتشاراً كبيراً إلا إنه لا يوجد أساس طبي لها. بالنسبة للأصحاء، تكون أفضل إشارة للحاجة إلى الشرب، سواء كان شرب الماء أو العصائر أو المشروبات المنبهة هي العطش. يأتي إحساسنا بالعطش بسرعة مذهلة عندما يقل توازن المياه في داخل الجسم عن 1 بالمئة بالنسبة للشخص الذي يتمتع بصحة جيدة. هذا الإحساس ينخفض بدرجة بسيطة جداً مع تقدم العمر. لذلك، بالنسبة لكبار السن، فإن شرب عدة أكواب من الماء أو أي مشروب آخر هو عادة يومية جيدة. لكي تتخلص من خرافة شرب ثمانية أكواب في اليوم، كل ما عليك أن تفعله هو أن تحاول أن تتبع النصيحة ليومين. يبذل أغلب الناس جهداً كبيراً لشرب ثمانية أكواب من المياه- كوب كل ساعة أي من الساعة التاسعة صباحاً إلى الخامسة مساءً. وستتذكر بسرعة ماذا فعل الجسم بالمياه الزائدة.

 تشارلز فيشمان

 المصدر: The Nation Newspaper Pakistan

العدد 1104 - 24/4/2024