الحوار الوطني وأطرافه

يبدو أن الأطراف الدولية والمعارضة الخارجية المتمثلة بما يسمى (الائتلاف السوري) وصلوا أخيرًا إلى ضرورة الحوار مع الحكومة السورية، لحل الأزمة الضاربة في البلاد منذ ما يقارب العامين.

من الواضح أن الأسباب التي حدت بهذه الأطراف إلى هذه القناعة تختلف تماماً عن نظيراتها التي تستند إليها المعارضة الداخلية  والدولة السورية بالدعوة إلى الحوار الوطني. فالمعارضة المقصودة حسب الائتلاف ومؤسسيه من الأطراف الدولية، هي تلك المنضوية تحت هذا الائتلاف. بينما المعارضة التي تدعوها الحكومة السورية إلى الحوار الوطني هي المعارضة غير المؤتمرة من الخارج وغير المرتبطة من حيث تدري أو لا تدري بالمخططات الرامية إلى ضرب الوحدة الوطنية، وتدمير الوطن باسم الديمقراطية والتغيير.. فالمعارضة المدعوة إلى الحوار هي المعارضة الوطنية الداخلية، والشخصيات الوطنية سواء في الداخل أو الخارج.

إن الحوار هو السبيل الوحيد والطريق الأوحد لحل الخلافات، والوصول إلى تحقيق مطالب الناس، مع المحافظة على سلامة الوطن ومؤسساته وحياة أبنائه وممتلكاتهم  وصيانة سيادته ووحدة أراضيه.

لابد أن يضم الحوار الوطني جميع أبناء الوطن بممثليهم الذين لابد أن يعكسوا جميع فئات المجتمع من معارضين وموالين كما جرت التسمية، والتي أنا شخصياً أعارضها. إذاً لابد أن تشارك شخصيات ترشحها الأحزاب القائمة في سورية، سواء من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية والأحزاب الجديدة المرخص لها، أم من المعارضين الوطنيين من الداخل والخارج.

أما القضايا التي يجب أن يتناولها الحوار فيجب أن لا تحدّد مسبقاً، بل يجب أن يتفق المتحاورون على أجندة حوار يتناولون فيها جميع القضايا الأساسية المختلف عليها، على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والإدارية، وما إلى ذلك.

لن تكون عملية الحوار عملية بسيطة وسهلة، لأن الحوار هو فن له متطلباته وأساليبه.. الحوار هو تجربة وليدة وجديدة في حياتنا السياسية بمفهوم حكومة ومعارضة، لكن المتحاورين سرعان ما سيصلون إلى أساليبها وفنونها عندما يكون المقصد الأسمى والأهم في الحوار هو حماية الوطن واستعادة أمنه وأمانه وصيانة سيادته التي هي غاية من شأنها حتماً أن تذلل معظم العقبات أمام الأطراف المتحاورين.لابد أن يصل المتحاورون في بداية المرحلة الأولى من الحوار إلى وثيقة وطنية تتفق عليها جميع الأطراف، لتشكل الأساس الذي ستبنى عليه المراحل القادمة، والتي سيتم على أساسها تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على انتخاب لجنة تأسيسية لصياغة دستور جديد، إذا ارتأى المتحاورون ضرورة لذلك، يختار فيه الشعب طبيعة نظام الحكم والإدارة، فنبقي على نظامنا الرئاسي أو نختار نظاماً برلمانياً باستفتاء شعبي يطول كلاً من الوثيقة الوطنية والدستور. ثم تنطلق المراحل اللاحقة إلى انتخاب أعضاء مجلس الشعب وإصدار القوانين والمراسيم الجديدة.

لابد من الإشارة في هذا الصدد إلى مفهوم المعارضة في النظم الديمقراطية، إذ يقوم الحزب أو الأحزاب الفائزة في الانتخابات بقيادة الحكومة وتسيير شؤون البلاد وفق سياساتها وأهدافها المعلنة، وتشكل الأحزاب الخاسرة للانتخابات  أو التي لم تستطع أن تحصل على العدد الكافي من المقاعد في البرلمان بتشكيل ما يسمى بالمعارضة، فتسعى لمراقبة أعمال الحكومة وتسليط الضوء على أخطائها وتجاوزتها، لكي تتمكن من الفوز في الانتخابات في الدورة الانتخابية القادمة، من أجل الوصول إلى قيادة الحكومة وتطبيق برنامجها السياسي والاقتصادي المعلن.. فإذا فازت هذه المعارضة في الانتخابات القادمة تتحول إلى حكومة، وتصبح الحكومة السابقة أو أحزابها في مقاعد المعارضة، وهكذا دواليك.

وأخيراً لابد من القول إنه بالحوار فقط نصل إلى الديمقراطية التي ينادي بها الجميع، فالسلاح لا ينتج ديمقراطية بل الكلمة.. والكلمة سلاح العقلاء والمتحضرين، وهذه هي سمات السوريين كل السوريين، وليس القتل والتنكيل.

العدد 1104 - 24/4/2024