غرينادا: الذكرى الثلاثون للغزو الأمريكي

مرت في 19 تشرين الأول الذكرى الثلاثون لمقتل موريس بيشوب، رئيس حكومة الشعب الثورية في غرينادا. وفي 25 تشرين الأول مرت ذكرى غزو الولايات المتحدة لغرينادا الذي نجم عنه إبعاد حكومة (حركة الجوهرة الجديدة) الثورية.  بعد هزيمة الإمبريالية الأمريكية في فيتنام عام ،1975 والإطاحة بالشاه والثورة الساندينية عام ،1979 كانت الطبقة الرأسمالية في الولايات المتحدة تواقة لتسجيل انتصار عسكري. وجاء هذا النصر على حساب الشعب الغرينادي (92 ألف نسمة).

لم تكن الاستراتيجية الإقليمية الكاريبية الأمريكية الوسطى والجنوبية، التي نفذتها إدارة ريغان، استثناء، بل قاعدة وظيفية للإمبريالية الأمريكية. ففي سياق الحرب الطبقية العالمية، كان هدف إدارة ريغان تقويض الحكومات الثورية في الكاريبي والبلدان الأمريكية.

قال الكاتب جورج صين في كتابه (ثورة مجهضة): دروس غرينادا هي أن الثورة الغرينادية (تمثل الجهد المفرد الأكثر تقدماً لحمل الاشتراكية إلى الكاريبي الناطق بالإنكليزية، أما إقليمياً فتأتي فقط بعد الثورة الهاييتية عام ،1804 والثورة الكوبية عام 1959 من حيث مدى ودرجة التغيير التي جلبتها للمؤسسات السياسية). وبصفتها تلك كان على إدارة ريغان أن تكتشف طريقة لتصوير غرينادا كتهديد وشيك للقوة العظمى المتفوقة في العالم.

أعلن موريس بيشوب في عام 1980: (من الواضح أننا لا نشكل تهديداً لأمريكا.. أعتقد أن واشنطن تخشى أن نشكل مثالاً لبقية المنطقة إذا نجحت ثورتنا. في منطقة الكاريبي أنت تتحدث عن بلدان صغيرة.. شكلت منذ أعوام أمثلة كلاسيكية للتبعيات الرأسمالية الجديدة، والآن لديك هذه الحكومات الجديدة مثل نيكاراغوا وغرينادا التي تحاول تجربة مختلفة.

لم تعد تنظر إلى التنمية وفق عدد الفنادق التي تملكها على الشاطئ، بل بلغة ماهي الفوائد التي حصل عليها الشعب. كم لديك من فرص العمل؟ كم عدد الذين يجري إطعامهم وإسكانهم وإلباسهم؟ كم عدد الأطفال الذين يتلقون العلم؟ نحن في غرينادا نؤمن بالتأكيد أن الناس في الكاريبي الناطقة بالإنكليزية يريدون رؤية نجاح تجربة كهذه، تفهم أمريكا ذلك ومن الواضح أننا إذا كنا قادرين على النجاح، حيث أخفقت حكومات سابقة تتبع نماذج مختلفة، فذلك قد يكون هداماً جداً جداً).

 

حركة الجوهرة الجديدة

عانت غرينادا في ظل ديكتاتورية إريك غيري من تدهور الاقتصاد والفساد الواسع. وفي مواجهة القمع الداخلي زادت قوة اليسار خلال الأحداث التي أدت إلى تأسيس (حركة الجوهرة الجديدة). في 30 تشرين الثاني 1970 نظمت ثلاثون ممرضة مظاهرة احتجاج سلمية ضد ظروف العمل السيئة في مشفى سان جورج العام، مكان عملهن.

انضمت إليهن جماعات من الشباب والنقابيين وأطفال المدارس، ردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين واعتقلت 22 ممرضة. دافع عن الممرضات محاميان شابان عادا حديثاً من الخارج هما موريس بيشوب وكرنيك أديكس. زاد غيري قمعه، ونجم عن ذلك تسييس متزايد للسكان. أعقبت إضراب الممرضات مظاهرة أخرى في كانون الأول 1970 قابلتها شرطة غيري بالهراوات والغاز المسيل للدموع.

قادت (حركة الجوهرة الجديدة) التحرك نحو تغييرات سياسية واجتماعية أساسية في غرينادا، وطرحت طيفاً واسعاً من الأهداف التي تراوحت بين استقالة الديكتاتور غير وتصورات لمجتمع جديد.

بدأت (حركة الجوهرة الجديدة بيانها بالعبارات التالية: (خدع الشعب لأكثر من عشرين عاماً، لا أحد يسأل ماذا يريد الشعب، نعاني من الأجور المنخفضة ونفقات المعيشة المرتفعة، في حين يزداد الأغنياء ثراء ويعيشون في بيوت كبيرة ويركبون سيارات أكبر. لم تفعل الحكومة شيئاً لمساعدة الشعب في بناء بيوت لائقة، ولا يزال معظم الناس يضطرون إلى السير أميالاً للحصول على ماء للشرب).

 

حكومة الشعب الثورية في غرينادا

بدأت الثورة الغرينادية في 13 آذار 1979 عندما أطاحت (حركة الجوهرة الجديدة) بحكومة إريك غيري الفاسدة والجائرة. وصف موريس بيشوب أوضاع الجماهير في ظل حكومة رئيس الوزراء غيري بأنها (اعتماد كامل على الإمبريالية، فقر مدقع وبطالة واسعة مع أكثر من نصف القوة العاملة خارج العمل، درجة مرتفعة من سوء التغذية، الأمية، التخلف، الخرافة، ظروف بائسة سكنية وصحية إلى جانب ركود اقتصادي وهجرة جماعية).

تأسست حكومة الشعب الثورية التي كانت مصممة على خلق (ديمقراطية الشعب) في غرينادا (من الأسفل إلى الأعلى).

وضعت حكومة الشعب الثورية طريقاً للتنمية بعنوان: (سياسة التنمية الاشتراكية). وكانت سياسة التنمية هذه ناجحة لدرجة أن المذكرة الاقتصادية السنوية للمصرف العالمي في آب التي كتبها اقتصاديون مستقلون استنتجت أن (غرينادا كانت واحداً من البلدان القليلة جداً في نصف الكرة الغربي التي واصلت تحقيق نمو للفرد في عام 1981). إضافة إلى ذلك، وجد اقتصاديون مستقلون من مصرف التنمية الكاريبي أيضاً أن معدل نمو اقتصاد غرينادا بين عامي 1981  3891 (202 في المئة) احتل المركز الثالث بين دول الكاريبي الناطقة بالإنكليزية، ولم يكن هناك نقص في السلع الاستهلاكية في أعوام 1979  1983.

وصف كاسترو الثورة الغرينادية ب (مونكادا ناجحة) و(ثورة كبيرة في بلد صغير). ولكن وزارة الخارجية الأمريكية قالت إن الثورة الغرينادية (أكثر خطورة) من الثورة الكوبية، لأن الغريناديين يتكلمون الإنكليزية، (ما يعني أنهم يستطيعون التحدث إلى السود، السكان الذين يتكلمون الإنكليزية في الولايات المتحدة). كانت الأسباب التي أعطتها الحكومة الأمريكية لغزو غرينادا بالجنود ومشاة البحرية وعجول البحر زائفة بوضوح. الذريعة الرئيسة كانت أن مئات طلاب الطب الأمريكيين الذين يدرسون هناك معرضون للخطر. وبعد شهر من الغزو أصدرت كوبا رداً موثقاً جداً بعنوان (العالم ضد الجريمة) الذي نجح بسرعة، وبمساعدة أعداد كبيرة من الصور، في فضح الأكاذيب، وأكد مثلاً على أن مطار لينس الدولي، الذي ساعد الكوبيون في بنائه، لم يكن أبداً مصمماً لأغراض عسكرية. قتل بيشوب في سن ال 39 على يد فرقة إعدام في انقلاب بِوَحْي أمريكي. وقد اختفت جثته. وفي أيار 2009 أطلق اسم موريس بيشوب على المطار الدولي تكريماً لابن غرينادا البار.

العدد 1105 - 01/5/2024