ما هو مصير الإخوان المسلمين بعد سقوط حكم المرشد في مصر؟

رغم النكبات التي حلّت بجماعة الإخوان المسلمين على مدار تاريخهم، بسبب مواجهتهم النظم السياسية المتعاقبة التي حكمت مصر خلال القرن المنصرم بقوة السلاح، إلا أن أزمتهم الحالية ذات طبيعة خاصة، لأنها المرة الأولى التي لن تكون في مواجهة النظام السياسي الحاكم فحسب، وإنما في مواجهة فئات واسعة من المجتمع المصري نزعت عن الجماعة صفة الوطنية، وأصبحت تراها سبباً رئيسياً في زعزعة استقرار البلاد. هذه الأزمة جعلت الجماعة في مصر تسأل السؤال الأصعب في تاريخها: ما هو طبيعة الدور الذي ستحاول أن تلعبه في مستقبل مصر السياسي؟

للإجابة عن هذا السؤال يجب أولا  أن نعلم طبيعة القوى التي تسيطر على جسم الجماعة في الوقت الحالي. هذه القوى موزعة على الشكل التالي:

* أولاً الحرس القديم، وهم الشخصيات التي تولت مسؤوليات القيادة في الجماعة خلال العقدين الأخيرين، وغالبيتهم العظمى هم من تلامذة سيد قطب المخلصين لأيديولوجيته الصارمة وعقيدته التكفيرية. ويعرّفهم العضو السابق في الجماعة خيرت الخرباوي باسم (تنظيم العشرات) وقد دخل معظم هذه القيادات السجن مع سيد قطب في قضية (تنظيم 1965)، ومن هؤلاء المرشد العام محمد بديع ونائبه محمود عزّت ومن سار على منوالهم كالنائب الآخر خيرت الشاطر، وهؤلاء قد اختاروا بأنفسهم إدخال الجماعة وأنصارها وأتباعها في محرقة سياسية وتاريخية، وكانوا لجماعتهم وعناصرهم كما كانت براقش التي جنت على نفسها وعلى قومها في التراث العربي، فهم اختاروا الجناية على أتباعهم ومشايعيهم، وذلك بعد أذنبوا بحق الدولة والدين والشريك في الوطن، وهؤلاء اليوم ما بين معتقل في السجن أو هارب من وجه العدالة.

* ثانياً العناصر المسلحة أيديولوجياً بالتعصّب والتطرّف، وعملياً بالتدريب على القتال وحمل السلاح، وهؤلاء هم الورثة الطبيعيون ل (النظام الخاص) أو التنظيم السرّي الذي تنتمي إليه أغلب قيادات الجماعة أو الحرس القديم المذكور أعلاه، وهذه العناصر المسلّحة بنت علاقاتٍ وطيدةٍ ومشتركة مع جماعات العنف الديني في السبعينيات بمصر، التي أدت لاغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، ثم انتقلت في الثمانينيات إلى أفغانستان بهدف التدرب على القتال والحرب وحمل السلاح من أجل العودة لبلدانهم، كما صرّح بذلك الإخواني العتيد عبد الله عزّام مؤسس تنظيم القاعدة، ثم تغاضوا وساوموا الدولة في التسعينيات على أنهم سيكونون البديل الديني الناعم لجماعات العنف الديني التي خرجت من عباءتهم، كما ساوموا بعد ذلك في العقد الأول من الألفية الجديدة الدول الغربية بأنهم سيكونون الخلاص من تنظيم (القاعدة) وأخواتها.

هذه العناصر تمّ إعداد جيلٍ جديدٍ منها بعد أحداث 2011 وتمّ تعزيزه أثناء حكم (الإخوان) للبلاد في عامٍ كاملٍ، أما التجهيز النهائي لهذا الجيل الجديد فكان بعد 30 حزيران في ميادين رابعة العدوية والنهضة وغيرها. وهم الذين يقودون الآن عمليات التفجير والتخريب وقتل المسيحيين وإحراق الكنائس وتدبير الاغتيالات وقتل الشرطة والجيش والأبرياء في سيناء وبرّ مصر بأكمله.

إن حجم التحريض والتحشيد وصناعة الغضب و(مدارس السخط) – كما كان يسميها سيد قطب – والذي كان يُطلق بشكلٍ منهجي من منصات رابعة التي كانت تدعمها بقوةٍ قنواتٍ إعلامية تنتمي للإسلام السياسي، وعلى رأسها قنوات (الجزيرة) الإخبارية، ومتفشية في مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن تسميتها ب(السلطة التافهة)، كان لابدّ أن يؤدي ذلك التحريض والسخط إلى العنف والإرهاب الفعلي. وهذه الفئة سيتمّ القضاء عليها وإنهاء جميع أفعالها ومخلفاتها في فترةٍ قد تكون طويلة وصعبة ودموية، وبخاصة مع رفض واستنكار غالبية الشعب المصري لها، وتحالف معظم القوى السياسية ضدها، بعد ثبوت خيانتها للوطن وللأمة العربية والإسلامية وتحالفها مع أعداء الأمة التاريخيين.

ثالثاً جيل ما بعد الجماعة، أو ما بعد التنظيم القديم، وهو جيلٌ كان يتململ داخل الجماعة، وقد أخرج بعض إفرازاته من قبل مثل عبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي وثروت الخرباوي ومن نحا نحوهم، وهذا الجيل سيكون بحكم الواقع والتجربة والتاريخ جيلاً أكثر انعتاقاً من هياكل الجماعة القديمة المهترئة والمُسيطر عليها من الحرس القديم، وسيكون أكثر انفتاحاً وتسامحاً في خطابه الديني كما في تحركاته السياسية، وقد يُنتج حزباً سياسياً جديداً، وسيدخل في تحالفاتٍ واسعةٍ، وهو يتسم ببراغماتية عاليةٍ وسيسعى للتأقلم مع الأوضاع الجديدة في مصر ومع كل ما ستنتجه من شكلٍ وتوازناتٍ للدولة المصرية الجديدة.

هذا الجيل هو من سيربك في المستقبل كثيراً من السياسيين والمثقفين، وبخاصةٍ بعدما تستقر الدولة ويُعتمد الدستور وتقوم المؤسسات، وهو من سيكون عليه التعامل مع النظام المصري الذي يُعاد تشكيله.

ومن استقراء واقع القوى التي تسيطر على جماعة الإخوان المسلمين وتسيّرها في الوقت الحالي، نستطيع القول إن السيناريوهات التي قد تتحكم في مستقبل الجماعة هي على الشكل التالي:

السيناريو الأول: استحضار تجربة العنف في الجزائر

ويطرح هذا السيناريو إمكانية انزلاق مصر إلى أعمال عنف واسعة النطاق، فهناك تطابق نوعاً ما بين العوامل التي تدفع مصر باتجاه سيناريو العنف الدموي. وهي تشمل الاستقطاب السياسي غير المسبوق الذي قسم البلاد منذ القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها مرسي في تشرين الثاني ،2012 والعقلية الصفرية التي تحكم فكر قادة الإخوان، وعودة انتشار الخطاب الإسلامي التكفيري على مدى العامين ونصف العام الماضيين. وهو ما جعل دورة العنف التي تجتاح البلاد منذ تشرين الثاني 2012 تبلغ ذروتها يوم 14آب2013 (فضّ اعتصام رابعة العدوية) وبعده، ما أسفر عن وصول حصيلة القتلى إلى أكثر من 1600 شخص. وتشمل العوامل اللوجستية الأخرى التي تدعم ظهور سيناريو العنف، إضعاف جهاز الشرطة المصرية منذ انتفاضة عام 2011 التي أطاحت بمبارك، وانتشار الأسلحة المهربة عبر الحدود الليبية في أعقاب (ثورة) ذلك البلد في عام 2011. ومع ذلك، ربما يكون العنف الإسلامي قد وصل إلى حدوده اللوجستية والاجتماعية. فالعنف الذي يندلع على نطاق واسع يتطلب، قبل كل شيء، عدداً كبيراً من الأشخاص المستعدين لتنفيذه، وقاعدة اجتماعية مستعدة لتقديم الدعم له. ولذا فإن وجود جيوب صغيرة من الإسلاميين المتطرفين الساخطين ليس كافياً لحدوث ذلك، وخلافًا لما حدث في الجزائر في تسعينيات القرن المنصرم، فإن الظروف الطبوغرافية المواتية لقيام تمرد مسلح ليست موجودة في مصر. كما أن زيادة العداء الاجتماعي للإسلام السياسي بشكل عام، والعنف الذي يحركه الإسلاميون على وجه الخصوص، يمكن أن يعزل سياسة العنف، ويزيد من تآكل التأييد الشعبي لها. فهذه المرة – على العكس من الوضع في الثمانينيات والتسعينيات – سيواجه الإسلاميون الذين يمارسون العنف معارضة كل من الدولة والمجتمع (أو شرائح واسعة من المجتمع على الأقل)، كما يتضح من معارك الشوارع المستمرة بين الإسلاميين والجمهور المصري في المناطق السكنية والأحياء الشعبية والساحات العامة والأسواق في جميع أنحاء المدن ومختلف البلدات منذ تشرين الثاني 2012.

السيناريو الثاني: استمرار الاحتجاجات ومحاولة نزع شرعية الحكومة

ويقترح هذا السيناريو رفض جماعة الإخوان المسلمين لأي دعوة للتوصل إلى تسوية سياسية في البلاد، ولن تقدم أي تنازلات. وتشمل الأهداف المعلنة للحراك الإخواني في هذا السيناريو إعادة الرئيس المنتخب ودستور عام 2012 الذي تم علق العمل به، ومجلس الشورى المنحل. وستحاول جماعة الإخوان الإصرار على ألا تتم أي تسوية تفاوضية للأزمة إلا بعد إعادة المؤسسات المنتخبة سابقاً. وسترفض المشاركة في العملية السياسية الجديدة، وبضمن ذلك التعديلات الدستورية والعمليات الانتخابية البرلمانية والرئاسية. وبدلاً من ذلك، ستلجأ إلى تكتيكات التعبئة والدعاية التي كانت تستخدمها خلال عهد مبارك في تحدٍّ لاستبعادها الرسمي.

كان هذا النهج هو الخيار المفضل لجماعة الإخوان المسلمين منذ بداية الأزمة الراهنة التي بدأت مع المظاهرات الحاشدة ضد مرسي. وكان هذا في جوهره نهج الجماعة حتى قبل إطاحة مرسي. إذ رفضت جماعة الإخوان تقديم أي تنازلات للمعارضة، مع علمها بأن تعنتها في مواجهة الغضب الشعبي المتصاعد سيستدعي إما نشوب حرب أهلية، أو حصول انقلاب عسكري.

وتعتبر جماعة الإخوان هذا الخيار مبرراً في ضوء التدابير الاقصائية التي اتخذتها الحكومة المؤقتة والمؤسسات العسكرية والأمنية في الدولة. كما تقدر أن ثمة فرصة لنجاح هذا الخيار، تنبع من عدة عوامل:

* أولا، تعلم جماعة الإخوان أنها منظمة كبيرة ومرئية جدّاً بحيث لا يمكن تجاهلها على الساحة السياسية، ويشكل أنصارها قوة لا يُستهان بها في الشارع، واستبعادهم سيكون مكلفاً للغاية، ومستحيلاً من الناحية العملية.

* ثانيًا، تجادل جماعة الإخوان في أن زعزعة استقرار البلاد أطول فترة ممكنة قد يحوّل ميزان القوى لصالحها.

* ثالثًا، قد تؤدي الانشقاقات داخل معسكر 30 حزيران المناهض لمرسي بسبب الجدل المثار حول (المضامين الديموقرطية) لسياسات الحكومة الانتقالية، إلى إضعاف النظام الحالي أكثر.

واستمرار الاحتجاجات على المدى الطويل قد يتحول إلى نسخة معدلة من سيناريو التسوية بوصفه الحد الأقصى الذي يمكن أن تحصل عليه جماعة الإخوان نظراً إلى ميزان القوى الحالي.

لكن من الصعب التنبؤ بالقرارات التي يمكن أن تتخذها جماعة الإخوان في المستقبل نظراً للشكوك والغموض الذي يعتري الوضع الحالي في مصر، وخصوصاً مع بدء التحول الاستراتيجي في السياسة المصرية نحو الشرق مرة أخرى. إذ يكمن الاختيار الاستراتيجي الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين بين سيناريو التسوية وسيناريو استمرار الاحتجاجات، في حال ثبوت تخلي واشنطن عنهم. أما سيناريو العنف فهو ليس سيناريو حصريّاً بالإخوان، فقد تنزلق البلاد إلى العنف حتى في ظل انتهاج الإخوان أيّاً من السيناريوهات اللاعنفية (مجموعات سلفية ووهابية تحاول أن تفرض وجهة نظرها بقوة السلاح، أو مجموعات مخابراتية تريد توتير الأجواء في المنطقة حتى تنفّذ مخططاتها). أما خيار استمرار الاحتجاجات فهو سيناريو الأمر الواقع حاليّاًّ عند الإخوان، ومن المرجح أن يستمر كذلك لبعض الوقت حتى تتضح خارطة التحالفات السياسية الجديدة في الشرق الأوسط.في تحوّل لافت للنظر نشر موقع الbbc عربي يوم 16 تشرين الثاني 2013 بياناً (للتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب) المعارض في مصر، يدعو فيه إلى ما وصفه بحوار جاد وعميق للخروج من الأزمة التي تعصف بمصر من أكثر من أربعة شهور. ولم يصر التحالف صراحةً على عودة الرئيس المعزول محمد مرسي بكامل صلاحياته.

وقال التحالف، المؤيد لمرسي، إنه (لا يرفض أية جهود جادة ومخلصة تستهدف (إجراء) حوار سياسي جاد للخروج بمصر من أزمتها). ووجّه التحالف، في بيان رسمي، الدعوة ل (جميع القوى الثورية والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية) للمشاركة في الحوار الذي سيناقش (كيفية الخروج من الأزمة الراهنة وسُبل إنهاء الحكم العسكري والحفاظ على وحدة الوطن والشعب) و(الاتفاق على الترتيبات المستقبلية اللازمة لإقامة دولة ديمقراطية وطنية حديثة بعد كسر الانقلاب، بمشاركة جميع أبناء مصر).

العدد 1105 - 01/5/2024