إلا التعليم..! في بعض انعكاسات الأزمة السورية على العملية التعليمية

على المدى الزمني الطويل لعمر الأزمة السورية الحالية، لم يبق مجال من مجالات حياة الشعب السوري، إلا تأثر بما يجري بدرجات مختلفة. وقد تكون العملية التعليمية واحدة من بين أكثرها تضرراً، إذ تفيد إحصائيات أعلنت لاحقاً عن وزارة التربية أن عدد المدارس المتضررة في سورية من الأحداث الأخيرة قد بلغ 2072 مدرسة، موزعة على أغلب المحافظات السورية، وصار أكثر من 200 مدرسة خارج الخدمة نهائياً، وأغلب هذه المدارس في إدلب وحمص ودرعا وحماة، إضافة إلى استخدام 824 مدرسة مراكز إيواء للأسر المهجرة.
وإذا علمنا أن إجمالي عدد المدارس في سورية يبلغ نحو 22500 مدرسة، بقدرة استيعابية لخمسة ملايين تلميذ، فإنه يمكننا الاستنتاج أن ما نسبته 10% على الأقل من تلامذة سورية تعرضوا أو سيتعرضون لخلل في العملية التعليمية، التي ينبغي أن يخضعوا لها، ويبقى الرقم الدقيق للمتضررين برسم وزارة التربية والجهات المخولة بتقديم الأرقام الإحصائية.
وقد صنفت أضرار المدارس كما يلي:
– مدارس أضرارها خفيفة تقوم مديريات التربية بأعمال الترميم والصيانة لإصلاح الأضرار لإدخالها الخدمة من جديد.
– مدارس أضرارها متوسطة تقوم مديريات التربية بالتعاون مع الجهات المعنية بإصلاحها، ويحتمل أن يعاد تأهيلها على نحو كامل.
– مدارس تحتاج إلى إعادة بناء، لأن أضرارها كانت كبيرة جداً، وأتت الأضرار على البنية الهيكلية والجملة الإنشائية للمدارس.
وقدرت القيمة الإجمالية للأضرار المتعلقة بوزارة التربية من مدارس متضررة أو سيارات مسروقة، أو حتى تأهيل أماكن الإيواء، حتى الآن، بما يزيد عن خمسة مليارات ليرة سورية.
وقد أدت الأعمال القتالية في مناطق التوتر والصدامات المسلحة إلى زيادة عدد التلاميذ الوافدين، الذين التحقوا بمدارس المناطق الأكثر أماناً، مما أرغم وزارة التربية على تحويل هذه المدارس إلى العمل بنظام الدوام النصفي لاستيعاب الضغط الحاصل. وهي تتوزع على المحافظات كما يلي: 11 مدرسة في دمشق، ومدرستان في حماة، و20 مدرسة في درعا، و6 مدارس في القنيطرة، و18 مدرسة في الرقة، و98 مدرسة في إدلب، و10 مدارس في اللاذقية. وترافق هذا الأمر ببعض الثغرات، منها النقص في مقاعد الدراسة والنقص في الكتب المدرسية الخاصة بجميع المراحل الصفية.
وقد أظهرت الأحداث الأمنية إشكالات غير مسبوقة، تتعلق بتسجيل الطلاب الوافدين من محافظات أخرى، إذ إن تدمير المدارس وحالات النزوح السريعة، أرغمهم وأهاليهم على المغادرة دون أن يكون لديهم أضابيرهم المدرسية، مما أجبر وزارة التربية على القيام بإجراء إداري مستحدث يتمثل بتزويد الطلاب المرغمين على نزوح قسري بورقة لا مانع من المدرسة التي يريدون الدراسة فيها، وموافقة مديرية التربية على التسجيل في هذه المدرسة، ليصار بعد ذلك إلى تجهيز أضابير مدرسية جديدة لهم، وترافق ذلك بطلب الوزارة من المعلمين والمدرسين العاملين في محافظات حلب وإدلب ودير الزور وأريافها وضع أنفسهم تحت تصرف مديريات التربية في أماكن اللجوء، ليصار إلى تكليفهم بالتعليم في مدارس تلك المديريات.
وخلق هذا الأمر فائضاً في معلمي الأماكن الآمنة، يقابله نقص كبير في أعداد المعلمين في المناطق الساخنة، وهو ما سينعكس سلباً على العملية التعليمية هناك بالنسبة إلى التلاميذ الذين لم تسمح لهم ظروف أهاليهم بالانتقال إلى مناطق أكثر أمناً. ورغم الكلام الرسمي عن تمكين التلاميذ من العودة إلى مدارس تلك المناطق، وتعويضهم ما فاتهم من برامج دراسية، لمواكبة باقي تلاميذ المدارس، التي لم يتوقف فيها التعليم، فإن هناك شكاً حقيقياً في إمكان تنفيذ مثل هذا الأمر.
وتزداد الصورة قتامة مع الأخذ بالحسبان الأضرار البشرية، المتمثلة بتعرض عشرات العاملين في مجال التربية للقتل والخطف والتشويه، وكذلك تعرّض عدد كبير من التلاميذ والمعلمين للإرهاب والترهيب لمنع صيرورة العملية التعليمية.
وما ذكر أعلاه يستوجب إطلاق ناقوس الخطر، فالأمية التي كانت سورية تفتخر بأنها قد قلصتها إلى الحد الأدنى، سوف تُطلّ برأسها من جديد، إما على شكل أمية حقيقية نتيجة خروج أعداد كبيرة من تلاميذ المرحلتين الابتدائية والإعدادية بسبب حالات العوز المتزايد الذي تعانيه أسرهم نتيجة الأوضاع الحالية، أو على شكل أمية مقنعة تتمثل في تخريج تلامذة أو ترفيعهم دون أن يكون لديهم الحد الأدنى المطلوب من المعارف، بسبب التردي الذي سيحصل في عملية التعليم، وهو تردٍّ لا بد أن يحصل لعوامل كثيرة يمكن التكهن بها.
 

العدد 1102 - 03/4/2024