بحاجة إلى موظفين

واجهاتٌ تصفر يأكلها الغبار حتى يكاد يغطي فحواها، وصحون المطاعم تقدَّم مزينة بالتموجات مثلها مثل الأمواس والأشواك. والأراضي تملك عدداً كبيراً من طبعات الأقدام التي توشك على أن تكون عوضاً عن رسم البلاط!.

دقّت طبول الحرب ونادت شبابها.. ركض الشباب إمّا مؤازرين وإمّا هاربين ناجين بحياتهم تاركين الجمل بما حمل!

فرغت الساحة من قاطنيها، ولم يعد هناك من يحمل عبء تلك الأشغال على كتفيه. وفي العادات التي حَرَّمت على المرأة العمل بشكل عام، وفي مهن الرجال بشكل خاص، ماذا سيكون حالنا اليوم بغياب الشبّان؟

كيف على المرأة أن تسدّ غياب زوجها وفي رقبتها أولاد فاتحين فمهم للهواء؟

كيف على الفتاة أن تسدّ غياب أبيها أو أخيها والبيت بلا دخل؟

هل سيضطر المجتمع اليوم أن يفك الحظر عن عمل المرأة في جميع المهن حتى الذكورية منها؟.

إنّ ضيق الحال وحالة العوز والفقر التي تعانيها بعض النساء إثر الأزمة، دفعهن إلى طَرق الأبواب المغلقة، فاقتحمن مهناً ظلّت لفترة طويلة حكراً على الرجال، لم يكن الهدف في هذه المرة هو مجرّد قبول التحدي والرغبة في إثبات الذات كما هو حال المرأة المثقفة حينما تولّت مناصب القضاء والمحاماة والشرطة، وإنما اقتصر الهدف على سدّ الحاجة والبحث عن لقمة العيش، فقد اضطرت ظروف الحياة بعض النساء إلى الخروج عن المألوف والدخول في (عش الدبابير) وعالم الرجال، فعملن في مهنٍ شاقة كانت في الماضي القريب تحمل عنوان (للرجال فقط)

كما اضطرّت بعض النساء بعد فقدان معيل العائلة(الرّجل) إلى العمل، الأمر غير المألوف لدى بعض العائلات السوريّة قبل اشتداد الأزمة، إلّا أنّ تردّي الوضع المادي للعائلة، جعل باقي أفراد الأسرة موافقين ولو بالإكراه أو تحت تأثير الواقع على خروج بناتهم وأخواتهم للبحث عن عمل يساعد في تأمين حاجيات الحياة المتزايدة والمتسارعة في ظل غلاء الأسعار، ليكون حالهم حال بقيّة الأسر التي لم تفقد معيلها. كما أنّ انخفاض قيمة الليرة السوريّة، كان أمراً واقعاً فُرض عليهم، ودفع بالمرأة إلى البحث عن عمل، يسمح للعائلة بزيادة الدخل الذي فقد قوّته الشرائية بشكل ملحوظ.

لكن، وكما واقع الحال في السنوات الأخيرة من الحرب، نجد أنّ بعض الشركات والمؤسسات تُفضّل توظيف النساء على الرّجال، بسبب (الخدمة الإلزامية) المفروضة على الذكور، وما يترتّب على ذلك من السفر أو الالتحاق بالجيش، الأمر الذي يؤدي لشواغر وظيفيّة كثيرة، فيلجأ صاحب العمل إلى توظيف شّابّات تفضيلاً منه للاستقرار. وفي السياق ذاته نجد أنّ الشركات الخاصة تعمد إلى إعطاء راتب أقل للفتيات في بعض الأحيان، مستغلّة الحاجة التي تدفع المرأة للعمل، وقلّة الوعي بمستوى الرّاتب الشهري الّذي يمكنها الحصول عليه.

فالأزمة جعلت واقعنا اليوم شبه خالٍ من اليد العاملة الذكورية، ما سيفرض على الفتاة أن تعمل في كل المجالات حتى لو كانت غير مألوفة أو مقبولة بالنسبة لها، وهذا ما نشهده حين (تمخْطُرنا) في الشوارع وتزيين المحلات باللافتة المعروفة (بحاجة موظفين).

العدد 1105 - 01/5/2024