ست أساطير عن الاتحاد السوفييتي

قبل 22 عاماً، في كانون الأول ،1991 تفكك الاتحاد السوفييتي.

يعتقد على نحو واسع خارج جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق أن مواطني الاتحاد السوفييتي تمنوا ذلك بحرارة، وأن ستالين كان مكروهاً كطاغية حقير، وأن الاقتصاد الاشتراكي في الاتحاد السوفييتي لم ينجح أبداً، وأن مواطني الاتحاد السوفييتي السابق يفضلون الحياة التي يعيشونها اليوم في ظل الديمقراطية الرأسمالية عما كان، باللغة المحمومة للصحفيين والسياسيين والمؤرخين الغربيين، حكماً قمعياً ديكتاتورياً لدولة الحزب الواحد التي أشرفت على اقتصاد اشتراكي غير عملي ومصاب ب (تصلّب الأنسجة).

وكل هذه الأساطير لا أساس لها من الصحة.

* الأسطورة الأولى: لم يتمتع الاتحاد السوفييتي بتأييد شعبي.

في 17 آذار ،1991 أي قبل تسعة أشهر من موت الاتحاد السوفييتي، ذهب المواطنون السوفييت إلى صناديق الاقتراع للإدلاء برأيهم في استفتاء حول هل يفضلون الحفاظ على الاتحاد السوفييتي. وقد صوت أكثر من ثلاثة أرباعهم ب (نعم). لقد أراد معظم المواطنين السوفييت الحفاظ عليه ولم يفضلوا تمزق الاتحاد. ونشرت وكالة نوفوستي نتائج هذا الاستفتاء.

* الأسطورة الثانية: الروس يكرهون ستالين

في عام ،2009 قضت القناة التلفزيونية الروسية (روسيا) ثلاثة أشهر تستفتي أكثر من خمسين مليون روسي لمعرفة من هم أعظم الروس في كل الأزمنة. جاء في المركز الأول الأمير ألكسندر ينفسكي، الذي صد بنجاح محاولة غزو غربي لروسيا في القرن الثالث عشر. وجاء في المركز الثاني بيوتر ستوليبين رئيس الوزراء في عهد القيصر نيقولا الثاني، وكان قد أحدث إصلاحات زراعية. وجاء في المركز الثالث، وبفارق 500,5 صوت فقط جوزيف ستالين، الرجل الذي يصفه قادة الرأي الغربي روتينياً بديكتاتور لا يرحم، تلطخت يداه بدماء عشرات الملايين. (غلوب أند ميل، تورونتو في 10 كانون الثاني 2009). قد يكون ستالين ملعوناً في الغرب، وهذا ليس مفاجئاً، لأنه لم يسعَ أبداً إلى كسب ود النبلاء الشركاتيين الذين يسيطرون على الجهاز الأيديولوجي في الغرب، ولكن، لدى الروس كما يبدو، رأي مختلف، رأي لا ينسجم مع الفكرة العامة بأن قيادة ستالين اضطهدت الروس، ولم ترفع مستواهم.

نشرت مجلة فورين أفيرز (وهي أهم مجلة سياسية أمريكية وذات شهرة عالمية) في عدد أيار حزيران 2004 مقالة بعنوان (الهروب من الحرية: كيف يفكر الروس وماذا يريدون) للمؤرخ المعادي للشيوعية من جامعة هارفارد ريتشارد بايبس الذي يذكر استفتاء سئل فيه الروس أن يعددوا أعظم عشرة رجال ونساء في كل الأزمنة. وبحث المستفتون عن شخصيات مهمة من أي بلد، وليس الروس فقط. جاء ستالين في المركز الرابع بعد بطرس الأكبر ولينين وبوشكين.

* الأسطورة الثالثة: الاشتراكية السوفييتية لم تنجح

إذا كان هذا صحيحاً، فإن الرأسمالية ووفقاً لأي مقياس مكافئ هي إخفاق لا يقبل الجدل. منذ ولادتها في عام 1928 حتى لحظة تفككها في عام ،1989 لم تتعثر الاشتراكية السوفييتية مرة، ما عدا الأعوام الاستثنائية خلال الحرب العالمية الثانية، بركود، أو أخفقت في توفير العمل للجميع. أيُّ اقتصاد رأسمالي نما باضطراد، دون ركود، ووفر العمل للجميع، طوال فترة 56 عاماً (الفترة التي كان فيها الاقتصاد السوفييتي اشتراكياً ولم يكن البلد في حرب) أي 1928  1941 و1946  1989)؟ أضف إلى ذلك أن الاقتصاد السوفييتي نما أسرع من الاقتصادات الرأسمالية التي كانت على مستوى مماثل من النمو، عندما أطلق ستالين الخطة الخمسية الأولى في عام ،1928 وأسرع من الاقتصاد الأمريكي خلال معظم فترة وجود النظام الاشتراكي. بالتأكيد، لم يلحق الاقتصاد السوفييتي أبداً أو يتجاوز الاقتصادات الصناعية المتقدمة من المركز الرأسمالي، ولكنه بدأ السباق متخلفاً، ولم يدعم نفسه، مثل البلدان الغربية، بتواريخ من الرق والنهب الاستعماري والإمبريالية الاقتصادية، وكان باستمرار هدفاً لمحاولات تخريب غربية، وخصوصاً أمريكية. ولكن ما أضر النمو الاقتصادي السوفييتي هو ضرورة تحويل موارد مادية وبشرية من الاقتصاد المدني إلى العسكري، لمواجهة تحدي الضغط العسكري الغربي. كانت الحرب الباردة وسباق التسلّح، الذي وضع الاتحاد السوفييتي في مواجهة خصم أقوى، وليس ملكية الدولة والتخطيط، ما منع الاقتصاد الاشتراكي من تجاوز الاقتصادات الصناعية المتقدمة للغرب الرأسمالي. ولكن، على الرغم من المساعي المستمرة لشلّه التي بذلها الغرب، أظهر الاقتصاد الاشتراكي السوفييتي نمواً إيجابياً في كل عام غير حربي من وجوده، موفراً الوجود الآمن مادياً للجميع، أي اقتصاد رأسمالي يستطيع أن يزعم نجاحاً مماثلاً؟

* الأسطورة الرابعة: الآن وقد خبروها، يفضل مواطنو الاتحاد السوفييتي السابق الرأسمالية.

 على العكس هم يفضلون تخطيط الدولة في النظام السوفييتي، أي الاشتراكية، عندما سئلوا في استفتاء حديث أي نظام اجتماعي  اقتصادي يفضلون، أجاب الروس:

 التخطيط والتوزيع الدولي 58 في المئة.

 الملكية والتوزيع الخاص 28 في المئة.

 يصعب القول 14 في المئة.

 المجموع 100 في المئة. (روسيا الآن) واشنطن بوست في 25 آذار 2009).

ويذكر بايبس استفتاء قال فيه 72 في المئة من الروس إنهم (يريدون تقييد المبادرة الاقتصادية الخاصة.(بايبس، مصدر سابق).

* الأسطورة الخامسة: بعد اثنين وعشرين عاماً، يرى مواطنو الاتحاد السوفييتي السابق أن موت الاحاد السوفييتي كان فيه من الفائدة أكثر من الضرر. خطأ أيضاً. فوفقاً لاستفتاء أصدر معهد غالوب نتائجه للتو، مقابل كل مواطن من 11 جمهورية سوفييتية سابقة، من ضمنها روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، يعتقد أن تمزق الاتحاد السوفييتي أفاد بلدهم، يوجد اثنان يعتقدان أنه أضر بهما. وكانت النتائج تميل بقوة أكبر نحو الرأي بأن التمزق كان ضاراً بين أولئك الذين تجاوزت أعمارهم ال 45 عاماً، أي الأشخاص الذين عرفوا النظام السوفييتي أفضل من غيرهم. (البلدان السوفييتية السابقة ترى ضرراً أكبر في التمزق)، غالوب في 19 كانون وفقاً لاستفتاء آخر يذكره بايبس، ثلاثة أرباع الروس يأسفون لموت الاتحاد السوفييتي . (بايبس، مصدر سابق). يصعب أن يتفق هذا مع ما يظن بأناس ذكر أنهم تحرروا من ما يفترض أنها دولة قمعية واقتصاد يزعم أنه مصاب بداء المفاصل وثقيل جداً.

* الأسطورة السادسة: مواطنو الاتحاد السوفييتي السابق هم اليوم في حال أفضل. لا شك أن البعض كذلك. ولكن هل هم الأغلبية؟ بما أن الأكثرية تفضل النظام الاشتراكي السابق على النظام الرأسمالي الحالي، وتعتقد أن تمزق الاتحاد السوفييتي سبب ضرراً أكثر من الفائدة، يمكن أن نستنتج أن الأغلبية ليست في حال أفضل، أو على الأقل لا ترى نفسها كذلك. وتأكد هذا الرأي، على الأقل، بالنسبة لمتوسط العمل المتوقع. ففي مقالة في المجلة الطبية البريطانية ذات الاعتبار (لانست) يظهر عالم الاجتماع ديفيد ستوكر والباحث الطبي مارتن ماكي أن التحول إلى الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي السابق أحدث، بعجلة، انحداراً شديداً في متوسط العمر المتوقع. في روسيا، على سبيل المثال، كان متوسط العمر المتوقع للذكور 67 عاماً في عام ،1985 في ظل الشيوعية، وفي عام 2007 كان أقل من 60 عاماً. وانخفض متوسط العمر خمسة أعوام بين عامي 1991 و1994.

نتجت عن التحول إلى الرأسمالية إذاً وفيات مبكرة لا تحصى، وما زال ينتج معدل وفيات أعلى مما يحتمل أن يكون في ظل النظام الاشتراكي (الأكثر إنسانية). وجدت دراسة أعدتها شيريلي تسير يستو وهوارد وتيزكين في عام ،1986 استناداً إلى معطيات المصرف العالمي، أن الاقتصادات الاشتراكية للكتلة السوفييتية أعطت نتيجة أكثر إيجابية، بمعايير النوعية الفيزيائية للحياة، ومن ضمنها متوسط العمر المتوقع ووفيات الأطفال وتناول الحريرات، من الاقتصادات الرأسمالية ذات المستوى نفسه من النمو الاقتصادي، وفي الواقع الاقتصادات الرأسمالية ذات المستوى الأعلى من النمو. (المجلة الأمريكية للصحة العامة، حزيران 1986).

وبالنسبة للانتقال من دولة الحزب الواحد إلى ديمقراطية تعددية، يشير بايبس إلى استطلاع للرأي يظهر أن الروس يرون أن الديمقراطية خداع. يعتقد أكثر من ثلاثة أرباعهم أن (الديمقراطية مظهر كاذب لحكومة تسيطر عليها زمر غنية وقوية). (بايبس، مصدر سابق).

العدد 1105 - 01/5/2024