معايير اختيار المعلم القائد

إن المعلم هو قائد العملية التربوية، والموجه الأساسي لها، والمنفذ للخطط التربوية.. فهو يحول الآراء النظرية لرواد التربية إلى واقع ملموس، كما أنه القدوة والمثل الأعلى للجيل، وخصوصاً بالنسبة للأعمار المستهدفة من العملية التربوية.. فهو ضابط إيقاع الحركة الثقافية، وهو غارس البذرة الأولى للتفكير العلمي السليم في عقول أبنائنا وراعي هذه النبتة حتى تثمر وتطرح الخير على الوطن بكامله.. وهو السد المنيع في وجه الأفكار المتطرفة بكل أنواعها، والمحارب في وجه التخلف وقواه.. فنحن نُسلّمُ أبناءنا وهم في سن السادسة وأحياناً ما دون هذه السن، لهذه المؤسسة التربوية، وهي تسلّمهم إلى المعلم الذي يقوم بتنشئتهم على الأفكار التي أوردناها سابقاً، وحتى أكثر من ذلك.

فنحن عندما نفعل ذلك، فلأننا على ثقة بهذه المؤسسة، ولأننا نريد أن ننشئ إنساناً مواطناً مثقفاً واعياً يتمتع تفكيره بالعلمية ويتمثل أخلاقاً وقيماً نطمح أن تسود المجتمع بكامله، وهذا لن يتحقق بذلك المعلّم الذي يفتقد إلى جزء منها، فالبعض اختار مهنة التعليم، لأنها المهنة الوحيدة التي أتيحت له، إذ يعدّها مصدراً للرزق والتخلص من بطالة محتملة، لذلك فإن الإعداد والتأهيل الجيد للمعلم الذي تقوم به المؤسسة التربوية وحدها، مثل اتباع الدورات التأهيلية ودبلوم التأهيل التربوي لا يكفي وحده، مع أنه باعتقادي شرط لازم لكنه غير كاف للوصول إلى المعلم القدوة والمعلم القائد المثقف، المقدام، المبادر الذي يعرف دوره الأساسي في بناء الإنسان والوطن.

ولكي نرتقي بالمعلم إلى المكانة الاجتماعية والثقافية التي يستحقها والتي نريدها قدوة لأبنائنا، فإنني أقترح بعض المعايير التي يجب أن تراعى في اختيار المعلم، لا لأن تكون عائقاً في وجه من يتجه نحو هذه المهنة، بل لتساعده على تكوين شخصية مثقفة ذات خبرة اجتماعية عالية،تمنحه الثقة بالنفس داخل المؤسسة التعليمية وخارجها، وتعطيه القوة اللازمة لاختيار القرار المناسب في الوقت المناسب، وتعزز مكانته الاجتماعية خارج المؤسسة وأمام تلاميذ وطلاب الفئة العمرية المستهدفة بالعملية التربوية.. وهذه المعايير ليست بديلاً عن دبلوم التأهيل التربوي والدورات التي تقيمها المؤسسة التربوية، بل مكملة لها تأتيه عن طريق التعلم الذاتي وهي:

* أن يحفظ دستور الجمهورية العربية السورية والنشيد الوطني، وأن يرسم بدقة الخريطة الجغرافية للجمهورية العربية السورية، موضحاً عليها دول الجوار ومواقع المحافظات ونهر الفرات.

* أن يحفظ ميثاق حقوق الطفل وحقوق الإنسان، مع إلمامه بميثاق الأمم المتحدة.

* أن يمتلك فكرة جيدة عن ثلاثة من أعلام التربية في العالم، واثنين من أعلام التربية في العالم العربي، شريطة أن يكون بينهم رائد تربوي سوري من ضمن مجموعة يختارها اختصاصيون، بحيث تكون هذه المجموعة واسعة ومنوعة من الأسماء التاريخية والمعاصرة، فيختار المعلم من بينهم من يراه مناسباً.

* أن يكون عارفاً ومدركاً للمعايير التي صمم المنهاج على أساسها وأفضل الطرق لتنفيذها.

* أن يجيد العمليات الحسابية الأربع، وحساب الحجوم والمساحات والنسب المئوية والمتوسط الحسابي، وحساب الفوائد والفوائد المركبة.

* أن يلمّ بجزء من تاريخ سورية القديم والمعاصر.

* أن يلمّ بالأحداث التاريخية العالمية التي أثرت في الحضارة الإنسانية تأثيراً كبيراً.

* أن يكون مطلعاً على أفكار ثلاثة من رواد الفكر العالمي في الفلسفة والسياسة الذين تركوا وراءهم إرثاً حضارياً أثر على حياة الإنسانية، وثلاثة من رواد الأدب شريطة أن يكون بينهم سوري على الأقل.

* أن يخضع لدورة إسعافات أوّلية أو يتعلمها عرضاً، وأن يملك القدرة على التعامل مع الحالات الطارئة الصحية والأمراض الشائعة والموسمية.

* أن يملك فكرة جيدة عن قوانين المرور والسلامة العامة كالحريق والكوارث.

* أن يجتاز امتحان اللغة العربية المصمم لغير المختصين، وأن يملك فكرة عن أهمية الرياضة البدنية والألعاب الأولمبية وتاريخ تلك الألعاب وأهميتها الإنسانية.

وأنا هنا لا أريد للمعلم أن يتعلم كل ذلك خلال شهر أو شهرين قبل مسابقة اختيار المعلمين، لأجل تلك المسابقة فقط، بل يتعلمها على شكل تراكمي من بداية دخوله إلى الجامعة، على اعتبار أنه يعلم أن الفرع الذي اختاره غالباً ما سيؤدي به إلى المنهج التعليمي، ويساعده في ذلك مؤسسات المجتمع الثقافية والتعليمية والإعلامية من خلال التشجيع وتقديم ما تستطيعه من خدمات توفر له إمكان الوصول إلى المستوى الذي يحقق تَمكنه كمواطن من المعايير، حتى لو لم يختر مهنة التعليم.

وبهذه الفكرة التي لا أزعم أنها كافية لتحديد معايير اختيار المعلم أو مقدسة لا يأتيها الباطل من خلفها أو من أمامها، لكنني أعتقد أنني أسست لمشروع يتبنى وضع معايير لاختيار المعلم القدوة، فنحصل بالنتيجة على معلمين وفق معايير نعتقد بأنها تبني المواطن المثقف، الواعي، الإنسان.

العدد 1105 - 01/5/2024