ماركس وحقوق الإنسان

تعرض ماركس لموضوع حقوق الإنسان، فلم ينتقد حقوق الإنسان عموماً، بل تلك الحقوق المتمايزة عن حقوق المواطن. وقال إن تلك الحقوق توجد في الدول البرجوازية مثل الولايات المتحدة وفرنسا، ولكنها من نوع حقوق الإنسان الفرد في المجتمع المدني وليست من نوع حقوق المواطن، وثمة فرق كبير بين الفرد والمواطن، ولم تؤدّ تلك الحقوق إلى التحرر الحقيقي للإنسان، إذ يجري التعامل معها على أنها (مِنحة)، وتستند إلى فرضية خاطئة وهي أن تحقيق الإنسان لذاته لا يتحقق بارتباط الناس فيما بينهم، بل بالفصل فيما بينهم، وتستند أيضاً إلى الزعم ذي الصلة القائل بأن الإنسان الفرد أو الأناني هو أساس المجتمع الفعلي. ف (انعتاق الإنسان)، ذلك الانعتاق الحقيقي يتم، حسب مفهوم ماركس، فقط بالجمع بين الإنسان الفرد والإنسان السياسي (المواطن)، الإنسان الفرد والإنسان الاجتماعي، في كل مجال من مجالات الحياة اليومية. وحقوق الإنسان المواطن لا يمكن ممارستها إلّا بالمشاركة مع الغير.

ومع ذلك فإن ماركس عارض بشدة الآراء التي كان يدعو إليها بعض من كانوا ينادون بالاشتراكية الطوباوية والشيوعية الفجة، والتي تقول بضرورة تقييد الحريات الديمقراطية. قال في كتيب أعده في 1847 يشرح فيه آراء المجموعة الاشتراكية التي كان ينتمي إليها: (لسنا من بين أولئك الذين يسعون إلى تقييد الحرية الشخصية، ويريدون تحويل العالم إلى ثكنة ضخمة، أو إلى مكان عمل ضخم. هنالك بكل تأكيد بعض الشيوعيين الذين يرفضون، وضميرهم مرتاح، تأييد الحرية الشخصية، ويريدون إلغاءها من العالم لأنهم يعتبرونها عائقاً أمام الانسجام الكامل. ولكن ليس لدينا الرغبة في تبديل الحرية بالمساواة. إننا على قناعة بأن الحرية لن تؤمّن في أي نظام اجتماعي مثل ما ستؤمّن في مجتمع قائم على الملكية الجماعية).

وتعرّض ماركس لمسألة غاية في الأهمية فيما يتعلق بالديمقراطية، حتى في عصرنا الراهن، وهي هل للحكومات السماح بأنشطة قد تؤدي إلى الانقلاب عليها والإطاحة بها؟ فكان جوابه: إذا كانت ممارسة حقوق الناس تعرّض الحكومة للخطر، فذلك من سوء حظ الحكومة. كان ماركس يؤمن بأنه (ليس من واجب الناس التضحية بحقوقهم من أجل أن يخففوا من عبء الحكومة ومشاكلها). وقد كتب بعد فشل ثورة 1848 يقول رداً على تصرفات أحد الوزراء (هانزيمان الذي كان يُعتبر أكثر الوزراء البروسيين ليبرالية، حسب وصف المؤرخ تايلور له): (يبدو أن لدى وزارة الأنشطة (وزارة هانزيمان) أفكاراً شرقية صوفية غريبة…فمن أجل حماية (الحرية الدستورية) للرؤساء وعُمد المدن ورؤساء الشرطة (وتأتي بعد ذلك قائمة طويلة من المسؤولين الحكوميين).. من أجل حماية (الحرية الدستورية) لهذه النخبة من الأمة، يجب أن تتخلى بقية الأمة عن حرياتها الدستورية، وبضمن ذلك حرياتها الشخصية، وأن تتركها تموت ميتة دموية، ضحية على مذبح الوطن. يا لها من فكرة رائعة)!

العدد 1105 - 01/5/2024