ثقافة الحوار

الحوار، لغة، المجادلة، وهو لغة العقل، والقليل من المتحاورين يحسون استخدام هذه اللغة، وثقافة الحوار تحتاج إلى القدرة الفائقة على الاستماع، والقدرة على التحمل، والقدرة أيضاً على التحدث والإيجاز، وإيصال الأفكار بأقل مدة ممكنة.

كما يحتاج الحوار إلى مضمون ومحتوى، ونقاط محددة يتمحور حولها، وإلا كان بلا هدف، ولا يفضي بالتالي إلى نتيجة. وتبرز الحاجة إليه دائماً عند وجود وجهات نظر متعددة ومتباينة تجاه قضية تجابه المتحاورين، سواء كانت هذه القضية خاصة أم عامة، داخلية أم خارجية، وأكثر ما تبرز الحاجة إلى الحوار في الأزمات الكبيرة التي تعصف أحياناً بالوطن، لصعوبة هذه الأزمات وتعدد الآراء والأفكار تجاهها، وصعوبة إيجاد مخارج لحلها نظراً لكثرة أسبابها سواء كانت داخلية أم إقليمية، أم دولية، ولتضارب المصالح حولها، وسواء كانت أسبابها سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية، أم كل هذه الأسباب مجتمعة. وبالإجمال فالحوار هو اللغة التي يتبادلها الأطراف من خلال وجهات النظر التي يسعى فيها كل طرف لإقناع الطرف الآخر بصحة وجهة نظره وصوابها لحل هذه الأزمات، أو الوصول إلى قاسم مشترك على الحد الأدنى من خلاله تحدد نقاط اللقاء، ونقاط الاختلاف، والمرحلة الانتقالية.

ويحتاج الحوار إلى لغة الصراحة والشفافية والابتعاد عن التشنج والشخصنة، وعن استخدام الصوت العالي، والأمور الصغيرة التي تبعد الحوار عن هدفه، وإبقاء الحوار في الإطار العام، دون الانزلاق إلى المهاترة والتجريح. ويتطلب أيضاً استخدام اللغة الدبلوماسية بأن تزعج محاورك إذا لزم الأمر بكلام غير مزعج، وكلما كان الحوار يستخدم لغة العقل والحكمة، وصل المتحاورون إلى نتيجة، وكلما كان أحد المتحاورين يملك من الحجة والبراهين المؤيدة والقدرة على الإقناع بشكل جيد وسلس ومترابط، ويعتمد على برنامج متكامل، ويمثل وجهة نظر عامة جماعية سياسية أو اجتماعية، ساعد على تكوين رأي عام حول الأزمة وكيفية حلها وصوابية هذا الحل.

والحوار يجسد بشكل منطقي وعميق حالة اجتماعية عامة يحكمها غالياً إطار جغرافي معين، وفي إقليم معين يرقى من خلاله إلى ترسيخ مفهوم المواطنة بعيداً عن المفاهيم والأطر الضيقة، ويصبح هذا المفهوم (المواطنة) هو الحاضن لهذه القواسم المشتركة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، باعتبار الحوار وسيلة حضارية متقدمة، وباعتباره أصبح علماً قائماً بحد ذاته، يجب إتقانه، والالتزام بمعاييره الأخلاقية من أجل الوصول إلى الغاية التي ينشدها المتحاورون بتكوين رأي عام مشترك.

وإذا لم يتوصل الحوار إلى نتيجة يمكن إعادته مرة ثانية وثالثة، والإبقاء عليه وسيلة وحيدة لحل المشكلات، والوصول من خلال إلى الغاية أو الهدف، وإلا تحول إلى ما يسمى (حوار الطرشان). ومع ذلك فالاختلاف لا يفسد للود قضية. والأخطر من كل ذلك هو رفض الحوار، وهنا تكمن المشكلة، وتحل محله لغة الاحتكام إلى القوة، وتنتفي هنا لغة العقل والحكمة.

وأجمل ما في الحوار هو تبادل الأفكار وتلاقحها، واغتناء المحتوى، ونقل التجارب بين آراء مختلفة، والوصول إلى نتيجة إيجابية وحل المشكلات والأزمات بطرق ودية، تعتمد لغة العقل أساساً للعلاقات الإنسانية بين البشر.

العدد 1105 - 01/5/2024