جوهر الماركسية وحقوق الإنسان

بشّر البيان الشيوعي بإمكانية  بناء مجتمع إنساني جديد عنوانه (من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته). هذه الغاية الإنسانية النبيلة تلخص نظرة الماركسية إلى المجتمع الجديد والعلاقات الداخلية التي تربط أفراده من حيث انتفاء كل أشكال الاستغلال (الطبقي- الجنسي – العنصري- القومي… إلخ).

كما يعكس بالدرجة الأولى نظرة الماركسية إلى الإنسان بصفته فرداً متميزاً له قدرات وله احتياجات ومتطلبات لا بد من تأمين أقصى درجات الاحتياج الجسدي والنفسي، لتنطلق قدرات الإنسان الكامنة بالإبداع المادي والروحي (الثقافي).

ولدى مراجعة تعريف حقوق الإنسان نجد ما يلي:

إن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية (تسميات خاصة) تنشأ من حاجات الإنسان وكفاءاته.

وقد يشكل الاعتراف بهذه الحقوق وابتكار الوسائل لحمايتها ملمحاً من أهم ملامح التقدم في القانون الدولي في هذا القرن (القرن العشرين- الحادي والعشرين)، وقد جاء نتيجة لنضالات البشرية المتواصلة  وفي مقدمتها قوى العمل (القوى الاشتراكية والشيوعية).

إذاً، الماركسية لخصت في دعوتها الدعوة المطلقة لحقوق الإنسان. ولكن إذا كانت حقوق الإنسان غاية مطلقة لأغلب التيارات الفكرية المعاصرة، ولا سيما تلك التي تؤمن بمركزية الإنسان ودوره، فهذا يعني شيئاً واحداً ألا وهو أن على البشرية السير قدماً لتحقيق التراكمات النسبية التي تقترب من المطلق، أي بمعنى آخر أن هذا المطلق الإنساني العام يكتسب صيرورة من خلال نضالات الشعوب ولا سيما قوى العمل والتقدم. من هنا فإن التناقضات القائمة في ظل العولمة بين الإمبريالية ورغبتها في السيطرة، من جهة، والشعوب وحاجاتها إلى التحرر وكسر هيمنة المركز الرئيسي للإمبريالية، من جهة أخرى، هذه التناقضات هي التي تحدد صيرورة المؤسسات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان.

فمثلاً في الواقع الحالي: هناك الكثير من المنظمات العالمية العاملة في مجال حقوق الإنسان مرتبط بشكل مباشر مع أنظمة العولمة، وهي تسعى لتمرير سياستها وخلق ذرائع لتدخل الدول الكبرى، ضد أكثرية شعوب العالم من أجل إخضاعها والهيمنة عليها، ضاربة عرض الحائط بأحد المرتكزات وأحد المبادئ الأساسية من مبادئ شرعة الأمم المتحدة، ألا وهو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من قبل دول أخرى أو منظمات عالمية غير حكومية. إن عمل هذه المنظمات المنضوية تحت العولمة والتي تؤدي أحياناً لخلق التوترات وزعزعة الاستقرار ودعم العدوان هي في واقع الحال تلعب دوراً معاكساً لما ينبغي أن تكون عليه، بناء على مستوى التوازنات الدولية في مجالات أسلحة الدمار الشامل، وبناء على ارتفاع مستوى الوعي الإنساني والديمقراطي العالمي، بضرورة حل النزاعات الدولية بشكل سلمي.

هذه الضرورة تشكل شرطاً مهماً لتقدم البشرية، فهذا الأسلوب لحل القضايا بشكل سلمي، والنضال من أجل السلام كان ولا يزال مسألة نضالية بالدرجة الأولى لقوى التقدم وللماركسيين وقوى العمل على الصعيد العالمي. وهذه مهمة في مقدمة المهام للحفاظ على حقوق الإنسان وتدعيمها، وديمقراطية الحياة العامة على المستوى العالمي.

إن من بناضل ويعمل في هذا الاتجاه سيجد نفسه مع القوى التقدمية للبشرية التي تدفع التاريخ إلى الأمام، وعلى العكس إن الدول والمنظمات التي تسعى وتؤيد الهيمنة ستكون في مصلحة الدول الرجعية التي تعمل على إعاقة حركة التاريخ وفي مقدمة هذه القوى- القوى الامبريالية والصهيونية وأتباعها من القوى المحافظة في العالم بشكل عام. وحقيقة وجوهر الماركسية والماركسيين (الشيوعيين) هو بكونهم دعاة سلام وتقدم للإنسانية.

وفي هذا نستطيع أن نقول بأنه ليس مصادفة تاريخية أن تنازل الشيوعيون السوفييت عن سياسة التسلح والعسكرة أيام غورباتشيف، والعودة إلى طرح فكرة المباراة التاريخية بين العمل والرأس مال على الصعيد التاريخي والعالمي، وضرورة أن يكون التنافس ضمن الإطار السلمي. وإن هذا الصراع مستمر وليس محصوراً بتجربة اشتراكية معينة (السوفييت).

وأعتقد أن هذه المأثرة جنبت البشرية مخاطر كارثية لا يمكن تحديد مداها، كما جنبت الحركة الشيوعية أخلاقياً مسؤولية دفع الإنسانية إلى حافة الدمار.

كما أنها أفضت بعد فترة قصيرة من انهيار التجربة الاشتراكية السوفييتية إلى أن الحركة الديمقراطية العامة للإنسانية بدأت تدرك أن القوى الامبريالية العالمية وحلفاءها من الرجعية والصهاينة وممارساتهم أصبحوا أكثر خطراً على تحرر البشرية وتقدمها.

لذلك تبقى مهمة لجم عدوانية الإمبريالية مهمة قائمة أمام الحركة العامة للديمقراطية وأمام الماركسيين المؤمنين بتقدم البشرية والإنسانية على الأصعدة كافة.

هذا هو جوهر الماركسية الأخلاقي الذي يتفق مع حقوق الإنسان العامة.

العدد 1107 - 22/5/2024